درست معالم القرآن في قلوبهم فليسوا يعرفونها ودثرت معاهده عندهم فليسوا يعمرونها ووقعت ألويته وأعلامه من أيديهم فليسوا يرفعونها وأفلت كواكبه النيرة من آفاق نفوسهم فلذلك لا يحبونها وكسفت شمسه عند اجتماع ظلم آرائهم وعقدها فليسوا يبصرونها.
خلعوا نصوص الوحي عن سلطان الحقيقة وعزلوها عن ولاية اليقين وشنوا عليها غارات التأويلات الباطلة فلا يزال يخرج عليها من جيوشهم كمين بعد كمين نزلت عليهم نزول الضيف على أقوام لئام فعاملوها بغير ما يليق بها من الإجلال والإكرام وتلقوها من بعيد ولكن بالدفع في صدورها والأعجاز وقالوا مالك عندنا من عبور وإن كان ولا بد فعلى سبيل الاجتياز أنزلوا النصوص منزلة الخليفة في هذا الزمان له السكة والخطبة وماله حكم نافذ ولا سلطان المتمسك عندهم بالكتاب والسنة صاحب ظواهر مبخوس حظه من المعقول والمقلد للآراء المتناقضة المتعارضة والأفكار المتهافتة لديهم هو الفاضل المقبول وأهل الكتاب والسنة المقدمون لنصوصها على غيرها جهال لديهم منقوصون (2:13 {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا كَمَا آمَنَ النَّاسُ قَالُوا أَنُؤْمِنُ كَمَا آمَنَ السُّفَهَاءُ أَلا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَاءُ وَلَكِنْ لا يَعْلَمُونَ}.
حرموا والله الوصول بعدولهم عن منهج الوحي وتضييعهم الأصول
وتمسكوا بأعجاز لا صدور لها فخانتهم أحرص ما كانوا عليها وتقطعت بهم أسبابها أحوج ما كانوا إليها حتى إذا بعثر ما في القبور وحصل ما في الصدور وتميز لكل قوم حاصلهم الذي حصلوه وانكشفت لهم حقيقة ما اعتقدوه وقدموا على ما قدموه 39:48 {وَبَدَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ} وسقط في أيديهم عند الحصاد لما عاينوا غلة ما بذروه.
فيا شدّة الحسرة عند ما يعاين المبطل سعيه وكده هباءا منثورا ويا عظم المصيبة عند ما يتبين بواراق أمانيه خلبا وآماله كاذبة غرورا فما ظن من انطوت سريرته على البدعة والهوى والتعصب للآراء بربه يوم تبلى السرائر؟ وما عذر من نبذ الوحيين وراء ظهره في يوم لا تنفع الظالمين فيه المعاذر؟.
أفيظن المعرض عن كتاب ربه وسنة رسوله أن ينجو من ربه بآراء الرجال أو يتخلص من بأس الله بكثرة البحوث والجدال وضروب الأقيسة وتنوع الأشكال أو بالإشارات والشطحات وأنواع الخيال؟.
هيهات والله لقد ظن أكذب الظن ومنته نفسه أبين المحال وإنما ضمنت النجاة لمن حكم هدى الله على غيره وتزود التقوى وائتم بالدليل وسلك الصراط المستقيم واستمسك من الوحي بالعروة الوثقى التي لا انفصام لها والله سميع عليم.
ـ[ابو مريم الجزائري]ــــــــ[17 Jan 2008, 10:48 م]ـ
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
قال الأمير محمد بن إسماعيل الصنعاني رحمه الله تعالى:
فللعمل الإِخلاص شرط إذا أتى = وقد وافقته سنة وكتاب
وقد صين عن كل ابتداع وكيف ذا = وقد طبق الآفاق منه عباب
فلم يبقى للراجي سلامة دينه = سوى عزلة فيها الجليس كتاب
كتاب حوى كل العلوم وكل ما = حواه من العلم الشريف صواب
فإن رمت تاريخًا رأيت عجائبًا = ترى آدمًا إذ كان وهو تراب
ولاقيت هابيلاً قتيل شقيقه = يواريه لما أن أراه غراب
وتنظر نوحًا وهو في الفلك إذ طغى = على الأرض من ماء السحاب عباب
وإن شئت كل الأنبياء وقومهم = وما قال كل منهم وأجابوا
ترى كل من تهوى من القوم مؤمن = وأكثرهم قد كذبوه وخابوا
وجنات عدن حورها ونعيمها = وناد بها للمسرفين عذاب
فتلك لأصحاب التقى ثم هذه = لكل شقي قد حواه عقاب
وإن ترد الوعظ الذي إن عقلته = فإن دموع العين عنه جواب
تجده وما تهواه من كل مشرب = فللروح منه مطعم وشراب
وإن رمت إبراز الأدلة في الذي = تريد فما تدعو إليه تجاب
تدل على التوحيد فيه قواطع = بها قطعت للملحدين رقاب
وفيه الدواء من كل داء فثق به = فوالله ما عنه ينوب كتاب
وما مطلب إلا وفيه دليله = وليس عليه للذكي حجاب
أطيلوا على السبع الطوال وقوفكم = تدر عليكم بالعلوم سحاب
وكم من ألوف في المئين فكن بها = ألوفًا تجد ما ضاق عنه حساب
وفي طي أثناء المثاني نفائس = يطيب بها نشر ويفتح باب
وكم من فصول في الفصل قد حوت = أصولاً إليها للذكي إياب
وفي رقية الصحب الدين= قضية وقدرها المختار حين أصابوا
ولكن سكان البسيطة أصبحوا= كأنهم عما حواه غضاب
فلا يطلبون الحق منه وإنما= يقولون من يتلوه فهو مثاب
فإن جاءهم فيه الدليل موافقا= لما كان للآباء إليه ذهاب
رضوه وإلا قيل هذا مأول= ويركب للتأويل فيه صعاب
تراه أسيرا كل حبر يقوده= إلى مذهب قد قررته صحاب
أتعرض عنه عن رياض أريضة= وتعتاض جهلا بالرياض مضاب
يريك صراطا مستقيما وغيره= مفاوز جهل كلها وشعاب
تزيد على مر الجديدين جدة= فألفاظه مهما تلوت عذاب
وآياته في كل حين طرية=وتبلغ أقصى العمر وهي كعاب
ففيه هدى للعالمين ورحمة=وفيه علوم جمة وثواب
فكل كلام غيره القشر لا سوى= وذا كله عند اللبيب لباب
دعوا كل قول غيره وسوى الذي= أتى عن رسول الله فهو صواب
وعضوا عليه بالنواجذ واصبروا= عليه ولو لم يبق في الفم ناب
تروا كل ما ترجون من أي مطلب= إذا كان فيكم همة وطلاب
أطيلوا على السبع الطوال وفوقكم= تدر عليكم بالعلوم سحاب
وكم من فصول في المفصل قدحوت= أصولا إليها للذكي مآب
وما كان في عصر الرسول وصحبه= سواه لهدي العالمين كتاب.
هذه القصيدة وجدتها منشورة في كتاب: " الحطة في ذكر الصحاح الستة " الصفحة 39.
المؤلف / بو الطيب السيد صديق حسن القنوجي
دار النشر / دار الكتب التعليمية - بيروت - 1405هـ/ 1985م
الطبعة: الأولى
¥