ـ[مساعد الطيار]ــــــــ[22 Jun 2003, 05:34 م]ـ
الأخ الفاضل محمد عزَّت حفظه الله، شكرًا لك على ما طرحته، ولي في الموضوع وجهة نظر أعرضها بين يدي قراء هذا الملتقى المبارك:
أولاً: إن رسم المصحف (أي: كتابته) كانت على ما تعلمه الصحابة من معلميهم، وعلى ما عهدوه من إملاء عصرهم، ولم يثبت أنهم تركوا إملاء عصرهم إلى إملاءٍ خاصٍّ بالقرآن، بدلالة توافق ما وُجِد من بعض الوثائق والمدونات الصخرية والنقودية التي ترجع إلى عصرهم، وهذه مسألة مهمة تحتاج إلى مزيد بحث وعناية، وقد طرح الدكتور الفاضل غانم قدُّوري في بحث له في مجلة المورد (م 15 / ع 4/ 1986) بعنوان (موازنة بين رسم المصحف والنقوش العربية القديمة).
ثانيًا: إذا ثبت أنهم لم يخترعوا رسمًا خاصًّا، فإن رسم المصحف هو الرسم الإملائي الموافق لعصرهم، وتسميته بالرسم العثماني اصطلاح نشأ بعدهم، ولم يرد عنهم الحديث عنه.
وهذه المسألة أرى أنها من الأهمية بمكان، وهي الموافقة لطبيعة التطور الذي حصل في الرسم، ومن تتبع علاقة المرسوم بالملفوظ في الدراسات التي كتبت عن تطور الخط سيجد مصداق ما أذكره.
وهذا يعني أنهم كتبوا المصحف على ما استقر عليه الرسم عندهم، ثمَّ ما زال يتطور الرسم، ويأخذ في التغيُّر حتى صار إلى ما هو عليه اليوم، وبقي رسم المصحف على ما كتبه الصحابة لا يُهيَّج عليه، ولا يجوز خلافه فما لو أريد كتابة مصحف كاملٍ.
ومن مارس العمل في المخطوطات يظهر له جليًّا ختلاف الرسم بين عصر، وعصر، وهذا مجال بحثٍ، لعل من له خبرة به أن يتحف الملتقى بشيء منه.
ثالثًا: أن صور الكلمات المذكورة في السؤال هي من باب اختلاف التنوع الكائن في الرسم، سواءًا أكان رسم المصحف (الرسم العثماني) أو الرسم الإملائي على مرِّ عصوره، أو الرسم الإملائي في هذا العصر.
والأمثلة في الرسم المعاصر وفيرة، وهي تدلُّ على أصل ما ذكرته من تنوع الرسم، وليس في ذلك سرٌّ آخر.
ومن أمثلة ما وقع في الرسم المعاصر الاختلاف في الهمزة المتوسطة في لفظة (شؤون) فهي تكتب على الواو كما سبق، وبعضهم يرى أنها تكتب على نبرة هكذا (شئون)، وقس على ذلك غيره من الاختلاف الذي هو من باب التنوع، ولا يلزم أن يكون وراءه سرٌّ آخر.
رابعًا: قد يرد لبعض الرسم علل معينة، مثل ما يُذكرُ من موافقة بعض القراءات، وهذا ممكن، ووارد أن يُراد، لكن لا يلزم أنهم اخترعوا هذا الرسم ليوافق هذه القراءة، بل يقال: إن هذا الرسم كان عندهم، فكتبوه هنا ليوافق القراءة، بدلالة أن هذه الموافقة غير لازمة في كلِّ المقروءِ، إذ قد تردُ القراءة، ولا يرد الرسم موافقًا لها، ومن ذلك على سبيل المثال لفظ (ضنين) من قوله: (وما هو على الغيب بضنين) فقد ذكر أبو عبيد أن جميع المصاحف العثمانية اجتمعت على كتابتها بالضاد، والضاد لا تحتمل قراءة الظاء، وهي القراءة الأخرى المتواترة، فدلَّ ذلك على أن الرسم قد يتخلف عن القراءة، ويمكن القول: إن الروواية قاضية على الرسم لا العكس.
خامسًا: كما وقع الحذف والاختصار والاقتصار والزيادة وغيرها في الرسم العثماني، فإن ذلك واقع كذلك في الرسم الإملائي على مرِّ عصوره، وهو واقع في الإملاء المعاصر كذلك، وكل ذلك راجع إلى الاصطلاح، والاصطلاح قد يتغير من زمن إلى زمن، إلا أن رسم المصحف ثبت على ما كُتِبَ عليه في عصر عثمان.
وهذه الفكرة فيها ردٌّ على من يزعم صعوبة الرسم العثماني، ويدعوا إلى تغيير الرسم العثماني، حيث يقال له: ما تلاحظه على الرسم العثماني، فإنه موجود في الرسم الإملائي المعاصر، إذ لا يلزم أن يكون كل الرسم المكتوب اليوم يوافق المنطوق بحذافيره، بل قد يكون فيه زيادة أو نقص، لكنَّ تعارفَ الناس عليه أذهب الاستيحاش منه، ولو تعلموا رسم المصحف مع الرسم الإملائي لزال كثير من الاستيحاش الحاصل من الرسم القرآني، والله أعلم.
والموضوع طويل لا يكفيه هذا الابتسار، وإنما هو على سبيل التذكرة، والله الموفق.
ـ[محمد عزت]ــــــــ[23 Jun 2003, 07:47 ص]ـ
جزاكم الله خيراً و تقبل منكم