تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

والذي يُتعجَّب منه أن هؤلاء يُنسبون إلى العقل، وكأن مقابليهم ليس لهم عقول، ولكن الأمر ليس كذلك، بل هؤلاء اعتمدوا على عرض الشريعة على عقولهم التي أصابها فساد إما من جهة الشبهات، وإما من جهة الشهوات، فصارت تسيِّر عقولهم في أمورهم الفكرية، فردُّوا بعض نصوص الكتاب والسنة لهذا السبب.

ويمكن القول بأن العقل على مراتب:

الأول: استخدام العقل المجرد عن أي مصدر، وغالبًا ما يكون ذلك عند فقدان النصِّ أو عند بادئ الرأي.

الثاني: الاعتماد على العقل المعتمد على مصادر فاسدة أو غير صحيحة؛ كما وقع لكثير من المعتزلة، وكذلك بعض المعاصرين الذين لا يرون حرمة النص القرآني، ويتعاملون معه كأي نص عربي، وهؤلاء عندهم مصدرهم، لكنه مصدر مخالف للصواب، وهذا أكثر من سابقه بكثير.

الثالث: الاعتماد على العقل المعتمد على مصادر الشريعة، وهذا الذي ينتج الرأي المحمود الذي لا زال العلماء يتعاملون به إلى اليوم.

وإذا تأملت هذه القسمة علمت أن نسبتهم إلى العقل تحكُّمٌ، فلو رٌبِط العقل بوصف زائد لكان أولى.

ولما كثر وصفهم بذلك جعلوا مقابلهم أهل النص والأثر، وزعم من زعم أن هؤلاء لا يستعملون نقولهم، وأنهم جمدوا مع النص، وأنهم لا يقدمون لأمة جديدًا، وهذا الزعم مخالف لواقع العلماء في الحكم على المستجدات، وطريقة التعامل معها.

لكن هؤلاء يريدون الانفلات من النص دون رقيب ولا حسيب، فينتسبون إلى العقل، والعقل الصريح منهم براء.

وأحب أن أنوه هنا إنه قد سبق التعليق على مصطلح مدرسة الذي شاع استخدامه في الدراسات القرآنية، ولعلي أذكر الرابط فأضعه لاحقًا من باب الفائدة.

ويمكن للسائل إن أراد أن يعرف المدرسة العقلية الحديثة ما لها وما عليها أن يرجع إلى كاب المدرسة العقلية الحديثة للأستاذ الدكتور فهد بن عبد الرحمن الرومي، وهي في مجلدين، وهناك دراسات أخرى في هذا الباب.

الرابع: قولك: ((وتفسير الشعراوي في أي خانة نضعه؟))

أما تفسير الشعراوي فهو من التفاسير التي لقيت قبولاً عند العامة، وذلك من منة الله سبحانه على هذا الرجل، ويمكن أن نتلمس في طريقة درسه الإلقائي عوامل نجاحه في هذا الدرس، ومنها:

1 ـ طريقة إلقائه للمعلومة، وذلك باستخدام بعض العبارات التي يجذب بها الجمهور.

2 ـ السكتات التي يستخدمها في حديثه، وطريقته فيها، إذ فيها تنبيهات وجذب للانتباه.

3 ـ الأداء الحركي لأعضائه من اليد والجسم والعينين وغيرها ـ وذلك لمن يشاهده، وهو بالمشاهدة أكثر تأثيرًا ـ وهذه لا تتأتى لكل أحد، بل قد يستطيعها بعضهم لكنه يتركها خشية القالة.

4 ـ استفادته من المعلومات العامة المخزونة في ذاكرته في درسه في التفسير، وغالبًا ما تكون هذه المعلومات من باب الملح واللطائف، أو من باب بيان قضايا تتعلق بالشريعة لا التفسير، وفيها من الجدَّة والطرافة ما فيها.

5 ـ النُّزول بالأسلوب التعبيري إلى الفهم العامي، وذلك من السهل الممتنع الذي لا يستطيعه كل أحد، كما أنه يستفيد من واقع الناس في عباراتهم ومعاشهم في تفسيره، ويوظِّف هذا توظيفًا عجيبًا.

6 ـ استخدام أسلوب السؤال، وبعض الأساليب الكلامية المشوقة التي تجعل السامع منجذبًا إليه.

وهناك غيرها، وهذا ما خرج من عفو الخاطر، وهو استطراد أريد أن افتح به بابًا انغلق، كان قد سأل عنه الأخ الفاضل عبد الله بالقاسم، ولعله أن يرجع بسؤاله عن الطريقة المثلى في إلقاء درس التفسير في هذا العصر.

أما تفسيره من جهة الرأي، ففيه رأي واضحٌ، وذلك ظاهر في استنباطاته وتفسيراته، ومن تفسيراته التي ذكرها أن الإفساد الثاني لبني إسرائيل المذكور في سورة الإسراء هو ما نشاهده اليوم من إفساد بني إسرائيل.

ومنها تفسير الأوتاد بأنها الأهرامات.

ولكنه في عموم تفسيره لم يخرج عن تفسير المتقدمين عليه، لكنه لما أوتي من حسن أسلوب يظن من ليس عنده علم أنه جاء بجديد، وهو جديد على سامعه لكن ليس ابتكارًا حادثًا له.

وأذكر أن أحد الأقارب المعجبين بتفسيره يذكر ـ معجَبًا ـ ما فسر به التين والزيتون ويقول: من قال بهذا؟ على سبيل الإعجاب وأنه من بنات أفكار الشيخ، فذكرت له أن هذا محكي عن السلف، لكن لجهله لا يعلم أن الشيخ مسبوق بهذا التفسير، لكن الشيخ تميَّز بأسلوب عرضه لهذه المعلومة فحسب.

ويمكن القول بأن الرأي في تفسيره على أقسام:

الأول: رأي حادث في التفسير لم يسبق إليه، وهذا قليل.

الثاني: اختيار قول في التفسير، وهذه هي الطريقة الغالبة على تفسير المتأخرين.

الثالث: رأي في مسائل لا علاقة لها بالتفسير من المعارف المتعددة.

وعلى العموم فإن تفسيره مسموعًا نافع جدًّا، لولا ما فيه من هنات في المعتقد يعرفها من يعرف عقيدة السلف، والله يغفر لنا وله.

أما الآراء في العلم سواءً أكان تفسيرًا أو فقهًا أو غير ذلك، فإن الأمر فيها واسع ما دامت في باب الاجتهاد المقبول، والله أعلم.

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير