بل إننا نجده يتهم كل من يتأول القرآن الكريم أو الحديث النبوي الشريف على غير ما أثر عن الصحابة، وذلك حيث يقول: "إن من فسر القرآن أو الحديث وتأوله على غير التفسير المعروف عن الصحابة والتابعين، فهو مفتر على الله، ملحد في آيات الله، محرف للكلم عن مواضعه، وهذا فتح لباب الزندقة والإلحاد، وهو معلوم البطلان بالإضطرار من دين الإسلام".
وفي هذا ما يثبت إيمان ابن تيمية بأهمية قول الصحابي وضرورة الإحتجاج به مطلقا.
2 - من يرده مطلقا ولا يعتبره حجة نحو ما ذهب إليه الإمام الغزالي الذي انتصر لعدم الإحتجاج بقول الصحابي. قد رجح الشيخ محمد الخضري قوله على أقوال غيره محتجا بأن "الصحابي ليس محجورا عليه أن يستنبط أو يقيس فلعله قال ما قال عن استنباط أو اجتهاد. وتعيين الأشياء التي لا مجال للرأي فيها عسر ضبطه، ولنضرب لذلك مثلا أقل الحيض وأكثره، فقد قال الحنفية: إن أقله ثلاثة أيام وأكثره عشرة، لا ينقص عن ذلك لحظة ولا يزيد عملا بفتوى بعض الصحابة. وقالوا إن هذا لا مجال للرأي فيه مع أنه من الأمور التي يمكن للفقيه أن يفتي فيها بالمشاهدات وسؤال ذوات الشأن".
3 - وذهب الأحناف إلى التفصيل فقالوا: إذا كان قول الصحابي في بيان أسباب النزول ونحوه مما لا مجال للرأي فيه فله حكم المرفوع، لانه لا يعقل -عندهم- أن يقول فيه برأيه. ومن ثم اتفقوا على الأخذ به، كما أنهم اتفقوا على الأخذ بقوله في الأمور التي فيها مجال للرأي شريطة أن تكون مما تعم به البلوى ولم يعرف له مخالف من الصحابة، وقد اعتبروه إجماعا سكوتيا.
أما إذا كان قوله فيما يكون مظنة للإجتهاد والإستنباط فقد اختلفوا فيه، فمنهم من اعتبره موقوفا مادام لم يسنده إلى الرسول -صلى الله عليه وسلم- وفي هذه الحالة لا يعتبرونه ولا يأخذون به، لأنه لما لم يرفعه علم أنه اجتهد فيه، والمجتهد قد يصيب ويخطئ. ومنهم من جعله حجة لظن سماعه من الرسول -صلى الله عليه وسلم- وحتى إن فسروه برأيهم فإصابتهم للحق أقرب لأنهم أدرى الناس بكتاب الله لما شاهدوه وعاينوه من الأحوال حال نزوله، ولما تلقوه من تفسيره عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.
ونستنتج من مجموع هذه الأقوال ما يلي:
1 - تفسير الصحابي له حكم المرفوع مالم يكن للرأي فيه مجال، وهو موقوف إن كان كذلك مادام لم يسنده إلى الرسول -صلى الله عليه وسلم-.
2 - إذا كان قول الصحابي من قبيل المرفوع فلا يجوز رده، بل يتعين على المفسر الأخذ به، ولا يعدل عنه إلى غيره.
3 - اختلف العلماء في وجوب الأخذ بقول الصحابي المحكوم عليه بالوقف، وقد يرجح الاخذ به لما يمتاز به الصحابة من جملة صفات وخصائص لا تتوفر في من أتى بعدهم، والواقع أن المأثور عن الصحابة هو أحد أمرين:
أ- ما يروونه عن الرسول -صلى الله عليه وسلم- ويكون حكمه عندئذ سنة نبوية يتعين الأخذ بها مطلقا.
ب- ما هو من قبيل الرأي والإجتهاد منهم، ونقل عنهم الإختلاف فيه، كما وقع بينهم في بعض الأحكام الفقهية التي لم يرد فيها نص من الكتاب أو السنة فهذا يستأنس به في تأويل النص. أما إذا أجمع الصحابة على رأي فقهي معين فإن قولهم يكون حجة، فيؤخذ به، ولا يتجاوز إلى غيره.
وخلاصة الأمر أن قول الصحابي حجة خاصة فيما لا سبيل فيه للرأي، أسنده أم لم يسنده إلى الرسول -صلى الله عليه وسلم- لاحتمال روايته عن الرسول من جهة، إذ لا يعقل أن يقول برأيه في قضايا لا مجال للإجتهاد فيها.
أما ما يصدر فيه عن رأيه واجتهاده فيؤخذ به مالم يكن فيه مصادرة عقلية، أو مخالف صريحة لنص مأثور، أو تناقض مع معطيات العلم الحديث