تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وقال الطاهر ابن عاشور: ((والواو في قوله: (وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفؤاً أَحَدٌ) (الاخلاص:4) اعتراضية، وهي واو الحال، كالواو في قوله تعالى: (وَهَلْ يُجَازَى إِلاَّ الْكَفُورُ) (سبأ: من الآية17) فإنها تذييل لجملة: (ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِمَا كَفَرُوا) (سبأ: من الآية17).

ويجوز كون الواو عاطفة إن جعلت الواو الأولى عاطفة، ويكون المقصود من الجملة إثبات وصف مخالفته تعالى للحوادث، وتكون استفادة معنى التذييل تبعًا للمعنى، والنكت لا تتزاحم)) (التحرير والتنوير 30: 620). (1)

وانظر أمثلة لمصطلح: النكت لا تتزاحم: روح المعاني (5: 122/ 10: 83/ 15: 341) التحرير والتنوير (28: 346).

ثانيًا: النكت لا يلزم منها الاطراد

المراد أن النكتة أو اللطيفة التي تستنبطها في سياق لا يلزم تُعارض بسبب ساق آخر خالف السياق الأول في النظم، لأن الاطراد ليس من شروط اللطائف والنكت، وقد نصَّ الآلوسي على ذلك، فقال: ((… ((وإذا شئنا بدلنا أمثالهم)) أي: أهلكناهم وبدلنا أمثالهم في شدة الخلق.

((تبديلا)) بديعا لا ريب فيه؛ يعني: البعث والنشأة الأخرى، فالتبديل في الصفات؛ لأن المعاد هو المبتدأ.

ولكون الأمر محققًا كائنا جيء بـ (إذا).

وذكر المشيئة لإبهام وقته، ومثله شائع، كما يقول العظيم لمن يسأله الأنعام: إذا شئتُ أحسِن إليك.

ويجوز أن يكون المعنى: وإذا شئنا أهلكناهم وبدلنا غيرهم ممن يطيع.

فالتبديل في الذوات، و (إذا) لتحقق قدرته تعالى عليه، وتحقق ما يقتضيه من كفرهم المقتضي لاستئصالهم، فجعل ذلك المقدور المهدد به كالمحقق، وعبر عنه بما يعبر به عنه.

ولعله الذي أراده الزمخشري بما نقل عنه من قوله: إنما جاز ذلك لأنه وعيد جيء به على سبيل المبالغة، كأن له وقتًا معينًا.

ولا يعترض عليه بقوله تعالى: ((وإن تتولوا يستبدل قوما غيركم))؛ لأن النكات لا يلزم إطرادها فافهم والوجه الأول أوفق بسياق النظم الجليل)) (روح المعاني 29: 167).

ثالثًا: ما يكون نكتة في علم قد يكون متنا وصلبا في علم آخر.

وهذا يكثر في علم التفسير، من جهة اعتبار علم البلاغة ليس من علم التفسير، إذ المراد بالتفسير بيان المعنى، وما وراء ذلك من علوم الآية فإنه يخرج عن صلب التفسير ومتنه، ومنه علم البلاغة.

والملاحظ أن كثيرًا مما يطلق عليه المفسرون نكتًا ولطائف فإنه من علم البلاغة، وقد تتبعت هذين اللفظين عند الزمخشري والآلوسي وغيرهما، فظهر لي كثرة التعبير عن دقائق بلاغية باللطائف.

والمقصود أن النكات البلاغية واللطائف الأسلوبية تكون في علم التفسير من باب اللطائف والنكت، وتكون في علم البلاغة من المتن والصلب، والله أعلم.

رابعًا: النكات واللطائف ليس لها ضابط في ذاتها، ولا في قبولها فقد يكون ما تعده لطيفة يعده غيرك غير ذلك.

وقد أشار إلى ذلك الطاهر ابن عاشور في تفسيره لقوله تعالى: ((وثامنهم كلبهم)) من سورة الكهف، وتعليقه على من يرى أن هذه الواو هي (واو الثمانية)، فقال في نهاية حديثه في تفسير هذه الجملة: ((ومن غريب الاتفاق أن كان لحقيقة الثمانية اعتلاق بالمواضع الخمسة المذكورة من القرآن إما بلفظه، كما هنا وآية الحاقة، وإما بالانتهاء إليه كما في آية براءة وآية التحريم، وإما بكون مسماه معدودًا بعدد الثمانية، كما في آية الزمر.

ولقد يُعَدُّ الانتباه إلى ذلك من اللطائف، ولا يبلغ أن يكون من المعارف، وإذا كانت كذلك ولم يكن لها ضابط مضبوط فليس من البعيد عدُّ القاضي الفاضل منها آية سورة التحريم؛ لآتها صادفت الثامنة في الذكر، وإن لم تكن ثامنة في صفات الموصوفين، وكذلك لعَدِّ الثعلبي آية سورة الحاقة.

ومثل هذه اللطائف كالزهرة تُشَمُّ، ولا تُحَكُّ)) (التحرير والتنوير 15: 293).

ـــــــــــــــــــ

(1) ملاحظة: الآيات عند الطاهر على رواية قالون عن نافع. وفي المطبوع واو قبل ((لا تتزاحم)) والصواب حذفها.

ـ[عبدالرحمن الشهري]ــــــــ[23 May 2006, 09:43 ص]ـ

بارك الله فيكم أبا عبدالملك على هذه الفوائد واللطائف والقواعد. وفي الإشارة إلى الزوايا المختلفة في النظر إلى مسائل العلوم دقة تشكر عليها، فما يراه الباحث في التفسير لطيفة وفائدة عابرة، يراه المتخصص في علم آخر من قواعد العلم. ولكل وجهة هو موليها، ومن الصفات المذمومة التهوين من شأن العلوم التي لا تقع في دائرة اهتمام المتكم وطالب العلم، والتزهيد في علم من العلوم لعدم اشتغاله به.

رابط الحلقة الثانية:

- ملح التفسير ولطائفه (2) ( http://www.tafsir.org/vb/showthread.php?t=577)

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير