تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

(6) قال: وتدبرت قوله تعالى: (لا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ) [الكهف: من الآية39] فرأيت لها ثلاثة أوجه.

أحدها: أن قائلها يتبرأ من حوله وقوته، ويسلم الأمر إلى مالكه.

والثاني: أنه يعلم أن لا قوة للمخلوقين إلا بالله، فلا يخاف منهم؛ إذ قواهم لا تكون إلا بالله، وذلك يوجب الخوف من الله وحده.

والثالث: أنه رد على الفلاسفة والطبائعيين الذين يدعون القوى في الأشياء بطبيعتها، فإن هذه الكلمة بينت أن القوىّ لا يكون إلاَّ بالله.

(7) وسمعته يقول في قوله تعالى: (فَمَا اسْطَاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْباً) [الكهف:97] قال (التاء) من حروف الشدة، تقول في الشيء القريب الأمر: ما استطعته، وفي الشديد: ما استطعته، فالمعنى: ما أطاقوا ظهوره لضعفهم، وما قدروا على نقله لقوته وشدته.

(8) وسمعته يقول في قوله تعالى: (إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا) [طه: من الآية15] قال: المعنى إني قد أظهرت حين أعلمت بكونها، لكن قاربت أن أخفيها بتكذيب المشرك بها، وغفلة المؤمن عنها، فالمشرك لا يصدق كونها، والمؤمن يهمل الاستعداد لها.

(9) قال: وقرأت عليه ما جمعه من خواطره، قال: قرأ عندي قارئ، قال: (هُمْ أُولاءِ عَلَى أَثَرِي) [طه: من الآية84] فأنكرت في معنى اشتقاقها، فنظرت فإذا وضعها للتنبيه، والله لا يجوز أن يخاطب بهذا، ولم أر أحداً خاطب الله عز وجل بحرف التنبيه إلا الكفار، كما قال الله عز وجل: (رَبَّنَا هَؤُلاءِ شُرَكَاؤُنَا الَّذِينَ كُنَّا نَدْعُو مِنْ دُونِكَ) [النحل: من الآية86]، (رَبَّنَا هَؤُلاءِ أَضَلُّونَا) [لأعراف: من الآية38] وما رأيت أحداً من الأنبياء خاطب ربه بحرف التنبيه، والله أعلم.

فأما قوله: (وَقِيلِهِ يَا رَبِّ إِنَّ هَؤُلاءِ قَوْمٌ لا يُؤْمِنُونَ) [الزخرف:88] فإنه قد تقدم الخطاب بقوله: يا رب، فبقيت (ها) للتمكين، ولما خاطب الله عز وجل المنافقين، قال: (هَا أَنْتُمْ هَؤُلاءِ جَادَلْتُمْ عَنْهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا) [النساء: من الآية109] وكرم المؤمنين بإسقاط (ها) فقال: (هَا أَنْتُمْ أُولاءِ تُحِبُّونَهُمْ) [آل عمران: من الآية119] وكان التنبيه للمؤمنين أخف.

(10) وسمعته يقول في قوله تعالى: (إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ مِنَ الْقَوْلِ) [الانبياء: من الآية110] المعنى: أنه إذا اشتدت الأصوات وتغالبت فإنها حالة لا يسمع فيها الإنسان. والله عز وجل يسمع كلام كل شخص بعينه، ولا يشغله سمع عن سمع.

(11) قال: وقوله: (قَالَ رَبِّ احْكُمْ بِالْحَقِّ) [الانبياء: من الآية112] قال: المراد منه: كن أنت أيها القائل على الحق؛ ليمكنك أن تقول: احكم بالحق، لأن المبطل لا يمكنه أن يقول: احكم بالحق.

(12) وقال في قوله تعالى: (لا تُقْسِمُوا طَاعَةٌ مَعْرُوفَةٌ) [النور: من الآية53] قال: وقع لي فيها ثلاثة أوجه:

أحدها: أن المعنى: لا تقسموا واخرجوا من غير قسم، فيكون المحرك لكم إلى الخروج الأمر لا القسم؛ فإن من خرج لأجل قسمه ليس كمن خرج لأمر ربه.

والثاني: أن المعنى نحن نعلم ما في قلوبكم، وهل أنتم على عزم الموافقة للرسول في الخروج؟ فالقسم هاهنا إعلام منكم لنا بما في قلوبكم. وهذا يدل منكم على أنكم ما علمتم أن الله يطلع على ما في القلوب.

والثالث: أنكم ما أقسمتم إلا وأنتم تظنون أنا نتهمكم، ولولا أنكم في محل تهمة ما ظننتم ذلك فيكم. وبهذا المعنى وقع المتنبي، فقال:

وفي يمينك ما أنت واعده ما دل أنك في الميعاد متهم

(13) وسمعته يقول في قوله تعالى: (أَوْ يُلْقَى إِلَيْهِ كَنْزٌ أَوْ تَكُونُ لَهُ جَنَّةٌ) [الفرقان:8] قال: العجب لجهلهم حين أرادوا أن يلقى إليه كنز أو تكون له جنة. ولو فهموا علموا أن كل الكنوز له وجميع الدنيا ملكه. أو ليس قد قهر أرباب الكنوز، وحكم في جميع الملوك؟ وكان من تمام معجزاته أن الأموال لم تفتح عليه في زمنه؛ لئلا يقول قائل قد جرت العادة بأن إقامة الدول، وقهر الأعداء بكثرة الأموال، فتمت المعجزة بالغلبة والقهر من غير مال، ولا كثرة أعوان، ثم فتحت الدنيا على أصحابه، ففرقوا ما جمعه الملوك بالشره، فأخرجوه فيما خلق له، ولم يمسكوه إمساك الكافرين،

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير