يقول عمر ـ رضي الله عنه ـ:" إنما تنقض عرى الإسلام عروةً عروةً إذا نشأ في الإسلام من لا يعرف الجاهلية " (1)
وهذه المعرفة تزداد أهميتها بالنسبة للمفسِّر؛إذ عليه أن يكون ملمَّاً بعادات العرب في الجاهلية، مطلعاً على أقوالهم، متعرفاً على أفعالهم،واقفاً على حياتهم الاجتماعية وأيامهم وحروبهم وتاريخهم وأديانهم.
ذلك لأننا نجد في الكتاب الكريم آيات تتعرض إلى بعض أمورهم،فإذا لم يكن المفسر عارفاً بأحوالهم حالة التنزيل لم يستطع أن يفهم معاني الآيات ولا أن يتذوقها ولا أن ينفذ إلى مغازيها.ولم يدرك الأثر العظيم الذي حققه كتاب الله في تغيير حياة العرب،وإبطال الفاسد من عاداتهم (2).
ويؤكد هذه الأهمية الإمام الشاطبي ـ في معرض حديثه عن معرفة أسباب النزول ـ فيقول: " معرفة عادات العرب في أقوالها وأفعالها ومجاري أحوالها حالة التنزيل، وإن لم يكن ثمَّ سبب خاص لابد لمن أراد الخوض في علم القرآن منه، وإلا وقع في الشبه والإشكالات التي يتعذر الخروج منها إلا بهذه المعرفة" (3).
إضافة إلى ما ذكر فإن معرفة عادات العرب وأحوالهم عند نزول القرآن من مرجحات دفع التعارض بين النصوص.
قال الزركشي:" (في مرجحات التعارض) الثاني: أن يكون أحد الحكمين على غالب أحوال أهل مكة،والآخر على غالب أحوال أهل المدينة فيقدم الحكم بالخبر الذي فيه أحوال أهل المدينة كقوله تعالى {ومن دخله كان آمناً} [آل عمران:97] مع قوله: {ولكم في القصاص حياة} [البقرة:178] " (4).
فحكم أهل مكة سلامة القاتل إذا دخل حرم مكة تعظيماً لأمر الحرم، أما بعد نزول آية القصاص المدنية فيقتل القاتل ولو تعلق بأستار الكعبة.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــ
(1) لم أقف على تخريجٍ لهذا الأثر في مظانه الحديثية، وهو في: الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي؛ للإمام شمس الدين أبي عبدالله محمد ابن أبي بكر المعروف بابن قيم الجوزية، المتوفى سنة 751هـ (ص:215) الطبعة الثالثة 1422هـ = 2001م، تحقيق بشير محمد عون، مكتبة دار البيان،دمشق ـ سوريا؛ مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين؛ للإمام شمس الدين أبي عبدالله محمد ابن أبي بكر المعروف بابن قيم الجوزية، المتوفى سنة 751هـ (1/ 263) الطبعة الأولى 1419هـ = 1999م، دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت ـ لبنان؛ مفتاح السعادة؛لابن القيم (1/ 295).
(2) انظر: بحوث في أصول التفسير؛ للدكتور محمد بن لطفي الصباغ (ص:187) الطبعة الأولى 1408هـ = 1988 م، المكتب الإسلامي، بيروت ـ لبنان.؛تفسير القرآن الكريم أصوله وضوابطه؛للدكتور علي بن سليمان العبيد (ص:97) الطبعة الأولى 1418هـ = 1998م، مكتبة التوبة، الرياض ـ المملكة العربية السعودية.
(3) الموافقات في أصول الشريعة؛للإمام الفقيه إبراهيم بن موسى بن محمد اللخمي الغرناطي، أبو إسحاق الشاطبي، المتوفى سنة 790هـ (ص: 629) الطبعة الأولى 1424هـ =2002م، تحقيق محمد الإسكندراني وعدنان درويش، دار الكتاب العربي، بيروت ـ لبنان.
(4) البرهان في علوم القرآن؛للإمام بدر الدين محمد بن عبد الله الزركشي، المتوفى سنة 794هـ (2/ 48) الطبعة الأولى 1419هـ =1998م، تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم،المكتبة العصرية،صيدا ـ بيروت.
ـ[عبد الرحمن الظاهري]ــــــــ[29 Sep 2008, 03:43 ص]ـ
بارك الله فيك ... لك مني أجمل تحية ...