ولتوضيح معنى هذه الآيات نسوق سبب نزولها، حيث نقل السيوطى فى الدر المنثور روايات متعددة حول سبب نزول هذه الآيات وبدأ هذه الروايات بقوله:
أخرج ابن مردويه وأبو نعيم فى الدلائل بسند صحيح من طريق سعيد بن جبير عن ابن عباس - رضى الله عنهما: أن أبا معيط كان يجلس مع النبى - صلى الله عليه وسلم - بمكة لا يؤذيه، وكان رجلاً حليماً، وكان بقية قريش إذا جلسوا معه آذوه، وكان لأبى معيط خليل غائب عنه بالشام فقالت قريش: صبأ أبو معيط وقدم خليله من الشام ليلاً، فقال لامرأته: ما فعل محمد مما كان عليه؟ فقالت: أشد مما كان أمراً فقال: ما فعل خليلى أبو معيط؟ فقالت: صبأ فبات ليلة سوء، فلما أصبح أتاه أبو معيط فحياه، فلم يرد عليه التحية فقال: مالك لا ترد علىّ تحيتى؟ فقال: كيف أرد عليك تحيتك وقد صبوت؟ قال: أو قد فعلتها قريش؟ قال: نعم. قال: فما يبرئ صدورهم إن أنا فعلت؟ قال: نأتيه فى مجلسه وتبصق فى وجهه وتشتمه بأخبث ما تعلمه من الشتم، ففعل، فلم يزد النبى -صلى الله عليه وسلم - أن مسح وجهه من البصاق ثم التفت إليه فقال: إن وجدتك خارجاً من جبال مكة أضرب عنقك صبرا، فلما كان يوم بدر وخرج أصحابه أبى أن يخرج فقال له أصحابه: اخرج معنا. قال: قد وعدنى هذا الرجل إن وجدنى خارجاً من جبال مكة أن يضرب عنقى صبرا فقالوا: لك جمل أحمر لا يدرك، فلو كانت الهزيمة طرت عليه، فخرج معهم فلما هزم الله المشركين، وحل به جمله فى جدد من الأرض، فأخذه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أسيراً فى سبعين من قريش، وقدم إليه
أبو معيط، فقال: تقتلنى من بين هؤلاء. قال نعم. بما بصقت فى وجهى فأنزل الله فى أبى معيط: ((ويوم يعض الظالم على يديه)) إلى قوله: ((وكان الشيطان للإنسان خذولا)). ()
وفى بقية الروايات المذكورة فى الدر المنثور وغيره () ما يفيد أن الظالم هو عقبة ابن أبى معيط وليس أباه، وهو الصحيح والخليل هو أمية بن خلف، وقيل: أبى بن خلف. والراجح أنه أمية. ()
وجاء فى هذه الروايات أيضاً أن الذى قتل عقبة هو على بن أبى طالب بأمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم.
(3) - جاء فى سورة النمل فى سياق حديث بلقيس مع قومها حين كانت تشاور فى أمر سليمان عليه السلام أقول: فى هذا السياق جاء قوله تعالى:
((قالت إن الملوك إذا دخلوا قرية أفسدوها وجعلوا أعزة أهلها أذلة وكذلك يفعلون)) ()
قال الجمهور عن هذه الآية: إن الوقف على (أذلة) وقف تام. وقال غيرهم: بل الوقف على (وكذلك يفعلون) وليس على (أذلة) فأما على رأى الجمهور فإن كلام بلقيس قد انتهى عند (وجعلوا أعزة أهلها أذلة) ثم جاء هذا التذييل (وكذلك يفعلون) وهو من كلام الله سبحانه تصديقاً لما ذهبت إليه بلقيس من أن الملوك إذا دخلوا قرية من القرى فاتحين لها أو غازين، فإنهم يخرجون أهلها، ويفرقون شملهم، ويتلفون ما فيها من خيرات. وعلى ذلك فهذا التذييل مستأنف وليس معطوفاً على ما قبله.
وأما على رأى غير الجمهور، فتذييل الآية (وكذلك يفعلون) موصول بما قبله على أنه من كلام بلقيس، فالواو إذن للعطف، وما بعدها من جملة مقول القول. وبذلك تكون الجملة كما يقول البيضاوى: تأكيداً لما وصفته - بلقيس - من حال الملوك وتقريراً بأن ذلك من عادتهم المستمرة. ()
وألحق السخاوى بمثل ما سقناه من أمثلة قوله تعالى: ((وله من فى السماوات والأرض ومن عنده)) () حيث الوقف على (والأرض) تام إن جعل (ومن عنده) مبتدأ وغير تام إن جعل معطوفاً على ما قبله ()، والمعنى هو الذى يحدد حكم الوقف هنا.
(4) قد يختلف موضع الوقف وحكمه والتفسير معه تبعاً لاختلاف القراءة.
قال فى الإتقان: قد يكون الوقف تاماً فى تفسير، وإعراب، وقراءة غير تام على آخر. () وقل مثل ذلك فى بقية أنواع الوقف الأخرى. ويمثل لذلك بقوله تعالى: ((وإذ جعلنا البيت مثابة للناس وأمنا واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى)) ()
حيث قرأ نافع وابن عامر (واتَّخَذوا) بفتح الخاء فعلاً ماضياً أريد به الإخبار، وقرأ باقى العشرة (واتخِذوا) بكسر الخاء على أنه فعل أمر. ()
حكم الوقف على (مثابة للناس وأمنا) بناءً على اختلاف القراءتين:
قال فى الإتقان: الوقف كان بناءً على قراءة (واتَخذوا) بالماضى، وتام بناءً على قراءة (واتخِذوا) بصيغة الأمر ()
التفسير على القراءتين:
¥