تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

أما الجواب عن السؤال الثاني، فهو أني لم أقف على تسمية أحد في الماضين أنكر أحاديث المهدي، أو تردد فيها، سوى رجلين اثنين. أما أحدهما فهو أبو محمد بن الوليد البغدادي، الذي ذكره ابن تيمية في منهاج السنة، وقد مضى حكاية كلام ابن تيمية عنه، وأنه قد اعتمد على حديث «لا مهدي إلاّ عيسى ابن مريم» وقال ابن تيمية: «وليس مما يعتمد عليه لضعفه». وسبق في أثناء الكلام الذين نقلت عنهم أنه لو صح هذا الحديث لكان الجمع بينه وبين أحاديث المهدي ممكناً. ولم أقف على ترجمة لابي محمد المذكور.

وأما الثاني فهو عبد الرحمان بن خلدون المغربي المؤرخ المشهور، وهو الذي اشتهر بين الناس عنه تضعيفه لاحاديث المهدي. وقد رجعت إلى كلامه في مقدمة تأريخه، فظهر لي منه التردد لا الجزم بالانكار. وعلى كل حال فإنكارها أو التردد في التصديق بما دلت عليه شذوذ عن الحق، ونكوب عن الجادة المطروقة. وقد تعقبه الشيخ صديق حسن في كتابه إلاذاعة حيث قال: «لا شك أن المهدي يخرج في آخر الزمان من غير تعيين لشهر ولا عام، لما تواتر من الاخبار في الباب، واتفق عليه جمهور الامة خلفاً عن سلف، إلاّ من لا يعتد بخلافه» وقال: «لا معنى للريب في أمر ذلك الفاطمي الموعود، والمنتظر المدلول عليه بالادلة، بل إنكار ذلك جرأة عظيمة في مقابلة النصوص المستفيضة المشهورة، البالغة إلى حد التواتر».

ولي ملاحظات على كلام ابن خلدون أرى أن أشير إليها هنا:

الاولى: أنه لو حصل التردد في أمر المهدي من رجل له خبرة بالحديث، لاعتبر ذلك زللاً منه، فكيف إذا كان من الاخباريين الذين هم ليسوا من أهل الاختصاص؟ وقد احسن الشيخ أحمد شاكر في تخريجه لاحاديث المسند حيث قال: «أما ابن خلدون فقد قفا ما ليس له به علم، واقتحم قحماً لم يكن من رجالها» وقال: «إنه تهافت في الفصل الذي عقده في مقدمته للمهدي تهافتاً عجيباً، وغلط أغلاطاً واضحة» وقال: «إن ابن خلدون لم يحسن قول المحدثين: الجرح مقدم على التعديل، ولو اطلع على أقوالهم وفقهها ما قال شيئاً مما قال».

الثانية: صدَّر ابن خلدون الفصل الذي عقده في مقدمته للمهدي بقوله: «اعلم أن في المشهور بين الكافة من أهل الاسلام على ممر الاعصار أنه لابد في آخر الزمان من ظهور رجل من أهل البيت يؤيد الدين، ويظهر العدل، ويتبعه المسلمون، ويستولي على الممالك الاسلامية، ويسمى بالمهدي، ويكون خروج الدجال وما بعده من أشراط الساعة الثابتة في الصحيح على أثره، وأن عيسى ينزل من بعده فيقتل الدجال، أو ينزل معه فيساعده على قتله، ويأتم بالمهدي في صلاته، ويحتجون في هذا الشأن بأحاديث خرّجها الائمة، وتكلم فيها المنكرون لذلك، وربما عارضوها ببعض الاخبار».

أقول: هذه الشهادة التي شهدها ابن خلدون، وهي أن اعتقاد خروج المهدي هو المشهور بين الكافة من أهل الاسلام على ممر الاعصار، ألا يسعه في ذلك ما وسع الناس على ممر الاعصار؟ كما ذكر ابن خلدون نفسه، وهل ذلك إلاّ شذوذ بعد معرفة أن الكافة على خلافه؟ وهل هؤلاء الكافة اتفقوا على الخطأ؟ والامر ليس اجتهادياً، وإنما هو غيبي لا يسوغ لاحد إثباته إلاّ بدليل من كتاب اللّه أو سنة نبيه (صلى الله عليه وآله)، والدليل معهم وهم أهل الاختصاص.

الثالثة: أنه قال قبل إيراد الاحاديث: «ونحن الان نذكر هنا الاحاديث الواردة في هذا الشأن» وقال في نهايتها: «فهذه جملة الاحاديث التي خرّجها الائمة في شأن المهدي وخروجه في آخر الزمان» وقال في موضع آخر بعد ذلك: «وما أورده أهل الحديث من أخبار المهدي قد استوفينا جميعه بمبلغ طاقتنا».

وأقول: إنه قد فاته الشيء الكثير، يتضح ذلك بالرجوع إلى ما أثبته السيوطي في العرف الوردي في أخبار المهدي عن الائمة، بل إن مما فاته الحديث الذي ذكره ابن القيم في المنار المنيف عن الحارث بن أبي أسامة، وقال: «إسناده جيد»، وتقدم ذكره بسنده وحاصل ما قيل في رجاله.

الرابعة: أن ابن خلدون نفسه قد اعترف بسلامة بعض أحاديث المهدي من النقد، حيث قال بعد إيراد الاحاديث التي خرّجها الائمة في شأن المهدي وخروجه آخر الزمان: «وهي كما رأيت لم يخلص منها من النقد إلاّ القليل».

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير