[ترك صاحب الصحيح تخريج حديث يدل على ضعفه!]
ـ[أبو يوسف السبيعي]ــــــــ[03 - 10 - 03, 12:02 ص]ـ
من المعلوم قول أئمة أهل الاصطلاح بأن البخاري ومسلماً لم يستوعبا الصحيح ولا التزماه،
ولذا قال العراقي في شرح ألفيته: (وإلزام الدارقطني وغيره إياهما بأحاديث ليس بلازم، قال الحاكم في خطبة المستدرك: ولم يحكما ولا واحد منهما إنه لم يصح من الحديث غير ما خرجاه انتهى قال البخاري: ما أدخلت في كتاب الجامع إلا ما صح، وترك من الصحاح لحال الطول، وقال مسلم: ليس كل صحيح وضعته ها هنا إنما وضعت هنا ما أجمعوا عليه ... ).
ومن ثمرة هذا التقرير أنه لا يحتج على تضعيف الحديث بترك البخاري ومسلم تخريجه، لأنهما لم يلتزما أن يخرج جميع الأحاديث الصحيحة، بل تركا عمداً كثيراً من الأحاديث الصحيحة حتى لا تطول كتبهم.
لكن قد يحتج في بعض المواضع بإعراض البخاري ومسلم عن تخريج حديث ما على أنهما يضعفانه، وهذا يكون فيما إذا كان هذا الحديث أصلاً في بابه ثم يخرجان أو أحدهما ما هو دونه.
ويطرد هذا في الرواة، فإذا كان الراوي علماً مكثراً من الرواية، ثم يعرض عنه صاحب الصحيح فلا بد من سبب صحيح لتركهما الرواية عنه إما لأنه ليس على شرطهما أو أنهما استغنيا بالرواية عمن هو أعلى منهما.
ومثال هذا الثاني: الذهلي والبخاري لم يخرج لهما مسلم في الصحيح لمسألة اللفظ المشهورة.
وكحماد بن سلمة بالنسبة للبخاري، فقد عاب ابن حبان على البخاري ترك التحديث عنه في مقدمة صحيحه، ولو كان تلك القاعدة مطردة في كل الأحوال لقيل في الجواب عن البخاري: إن البخاري لم يلتزم الرواية عن كل الثقات وتخريج كل الأحاديث الصحيحة، فلما لم يقل ذلك علمنا أن إعراض صاحب الصحيح عن حديث أصل في بابه أو راو مشهور مكثر لا يكون إلا لسبب، لما علم من حفظهما وسعة اطلاعهما.
ـ[أبو يوسف السبيعي]ــــــــ[03 - 10 - 03, 01:28 ص]ـ
ومثال ذلك في الأحاديث حديث تميم الداري وهو المشهور بحديث الجساسة، أخرجه مسلم، وأعرض عنه البخاري.
قال ابن حجر في الأجوبة الفائقة ص 24 في جواب من سأل عن ترك البخاري تخريجه حديث تميم هذا: (ليست له علة تقتضي ترك البخاري لتخريجه، وطوله لا يقتضي العدول عنه فإنه أخرج عدة من الطوال، ولم يختصرها في بعض المواضع مع أن حاجته منها إنما هي لبعض الحديث، كما في حديث الإفك ... ) إلى أن قال:
(والذي عندي أن البخاري أن البخاري أعرض عنه لما وقع من الصحابة رضي الله عنهم في أمر ابن صياد، ويظهر لي أنه رجح عنده ما رجح عند عمر وجابر وغيرهما رضي الله عنهم من أن ابن صياد هو الدجال، وظاهر حديث فاطمة بنت قيس يأبى ذلك، فاقتصر على ما رجح عنده، وهو على ما يظهر بالاستقراء من صنيعه يؤثر الأرجح على الراجح، وهذا منه).
ـ[هيثم حمدان]ــــــــ[03 - 10 - 03, 09:44 ص]ـ
وفقك الله أخي السبيعي وبارك فيك.
هذه بعض نقول أهل العلم في ذلك:
1) قال البيهقي عن أحاديث النضح من بول الغلام والغسل من بول الجارية: "وكأنها لم تثبت عند الشافعي (رحمه الله) حين قال: ولا يتبين لي في بول الصبي والجارية فرق من السنة الثابتة. وإلى مثل ذلك ذهب البخاري ومسلم حيث لم يودعا شيئاً منهما كتابيهما ... ". اهـ.
2) قال ابن عبدالبر في التمهيد عن أحاديث سقوط الجمعة والظهر: "ولم يخرج البخاري ولا مسلم بن الحجاج منها حديثاً واحداً وحسبك بذلك ضعفاً لها". اهـ.
ـ[أبو يوسف السبيعي]ــــــــ[04 - 10 - 03, 08:37 ص]ـ
ومثال ذلك أيضاً الأحاديث المصرحة بالجهر بالبسملة لم يخرج البخاري ومسلم شيئاً منها: قال الزيلعي في نصب الراية 1/ 355:
(وبالجملة فهذه الأحاديث كلها ليس فيها صريح صحيح بل فيها عدمهما أو عدم أحدهما وكيف تكون صحيحه وليست مخرجة في شيء من الصحيح ولا المسانيد ولا السنن المشهورة)، ثم قال:
(ويكفينا في تضعيف أحاديث الجهر اعراض أصحاب الجوامع الصحيحة والسنن المعروفة والمسانيد المشهورة المعتمد عليها في حجج العلم ومسائل الدين فالبخاري رحمه الله مع شدة تعصبه وفرط تحامله على مذهب أبي حنيفة لم يودع صحيحه منها حديثا واحدا، ولا كذلك مسلم رحمه الله فإنهما لم يذكرا في هذا الباب الا حديث أنس الدال على الإخفاء، ولا يقال في دفع ذلك انهما لم يلتزما ان يودعا في صحيحيهما كل حديث صحيح يعني فيكونان قد تركا أحاديث الجهر في جملة ما تركاه من الأحاديث الصحيحة وهذا لا يقوله الا سخيف أو مكابر فان مسألة الجهر بالبسملة من اعلام المسائل ومعضلات الفقه ومن أكثرها دورانا في المناظرة وجولانا في المصنفات والبخاري كثير التتبع لما يرد على أبي حنيفة من السنة فيذكر الحديث ثم يعرض بذكره فيقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا وكذا وقال بعض الناس كذا وكذا يشير ببعض الناس اليه ويشنع لمخالفة الحديث عليه وكيف يخلى كتابه من أحاديث الجهر بالبسملة وهو يقول في أول كتابه باب الصلاة من الإيمان ثم يسوق أحاديث الباب ويقصد الرد على أبي حنيفة قوله إن الأعمال ليست من الإيمان مع غموض ذلك على كثير من الفقهاء ومسألة الجهر يعرفها عوام الناس ورعاعهم هذا مما لا يمكن بل يستحيل وانا احلف بالله وبالله لو اطلع البخاري على حديث منها موافق بشرطه أو قريبا من شرطه لم يخل منه كتابه ولا كذلك مسلم رحمه الله).
والمقصود من كلام الزيلعي رحمه الله هنا تقرير أصل المسألة التي ذكرتها، وفي بعض كلامه على البخاري مؤاخذات لا سيما وصفه للبخاري بالتعصب.
¥