الرد على من صحّح حديث مالك الدار في التوسّل (1)
ـ[عبدالله بن خميس]ــــــــ[26 - 07 - 03, 06:33 م]ـ
الرد على من صحّح حديث مالك الدار:
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله، أمّا بعد
فما من مسألة من المسائل الشرعية إلاّ ولها ميزان يُعرف به الصواب من الخطأ، فأصول أهل السُّنّة مثلاً والمسائل الفقهية يكون معرفة الصواب فيها بالرجوع إلى الكتاب والسُّنّة وما كان عليه سلف الأمّة وعلى رأسهم الصحابة رضوان الله عليهم، وكذلك سائر العلوم فلابد لها من ميزان إذن.
ومصطلح الحديث هو قواعد اصطلح عليها أهل العلم بالحديث لمعرفة صحيح الحديث من سقيمه. ومن هذه القواعد ما هو متفق عليه بين أهل العلم ومنها ما هو مختلف فيه مما يسع فيه الاجتهاد، ومنها ما يُعتبر شذوذ.
ولمعرفة ذلك فلابد لنا من الرجوع إلى ما كان عليه المتقدمون من كبار الحفاظ فهم أعلم الناس بهذا الفن، وكل من جاء بعدهم من الحفاظ فهو عالة عليهم، فإذا أراد أحدهم معرفة حال راو ما فإنّه يرجع إلى كلامهم وما قرروه في حال هذا الراوي.
ولذلك إذا ضعّف عالم من المتأخرين راو اتفق المتقدمون على توثيقه أو العكس فإنّك تجد أهل العلم يُخطّئون اجتهاده ويعتبرون ذلك شيئاً لم يُسبق إليه. وليس هذا الكلام في الحكم على الرواة فحسب بل يدخل فيه كذلك القواعد الحديثية التي تُبيّن صحيح الحديث من سقيمه.
فكما أنّه ينبغي تضعيف الراوي الذي اتفق المتقدمون على تضعيفه، فكذلك ينبغي تضعيف الحديث الذي اتفق المتقدمون على تضعيفه، والعكس، ومن خالفه فقد أخطأ في ذلك، ومن الأمثلة على ذلك: ـ
? حديث: (من حُسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه) فإنَّ كل من ابن معين وأحمد والبخاري والترمذي والبيهقي والدارقطني والعقيلي حكموا على الحديث بأنَّ الصواب فيه أنّه مرسل ولا يصح مرفوعاً، بالرغم من هذا تجد أنَّ ابن عبد البر والنووي والسيوطي والألباني قبلوا الحديث بين مُصحّح له ومُحسّن. (راجع جامع العلوم والحكم).
? حديث دعاء السوق: (من دخل سوقاً من أسواق المسلمين فقال لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له .. الحديث)، ردّه من المتقدمين من كبار الحفاظ بين مُضعّف له ومضعّف جداً وبين منكر للحديث كل من أبي حاتم وابن معين وأحمد وابن المديني والبخاري والترمذي والدارقطني وابن عدي والعقيلي. وبالرغم من هذا صحّحه كل من الحاكم وحسّنه الألباني وعبد القادر الأرناؤوط. بل أُلّفت رسائل عن تصحيح هذا الحديث. (ذكر معظمه الشيخ عبد الله السعد في شرحه على "الموقظة" وهي مسجلة على أشرطة ـ راجع المنتخب للحافظ عبد بن حميد تحقيق مصطفى شلباية رقم 28).
? حديث: (أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قبّل عائشة رضي الله عنها ولم يتوضّأ) ضعّفه كل من يحيى بن سعيد القطّان وابن المديني والبخاري والنسائي وأبو داود والدارقطني والبيهقي، ثم نجد أنَّ كل من الشيخ أحمد شاكر والشيخ الألباني يُصحّحوا الحديث. (انظر العدة شرح العمدة ـ إعداد مركز الدراسات والبحوث بمكتبة نزار الباز رقم 122).
? حديث: (أنَّ النبي صلى الله عليه وسلّم مسح على الجوربين والنعلين) ردّه بسبب زيادة (الجوربين) كل من سفيان الثوري وعبد الرحمن بن مهدي وابن معين وأحمد وابن المديني والنسائي ومسلم والبيهقي، ثم تجد ابن دقيق العيد يقبل هذه الزيادة ويوافقه الشيخ الألباني وبعض العلماء، بل مع الأسف قال الألباني: (وقد أعلّه بعض العلماء بعلّة غير قادحة .. ) ثم قال: (وهذا ليس بشيء)!! (الأرواء: 101) (انظر العدة شرح العمدة: 106).
وهذا إنْ دلّ على شيء فإنما يدل على أمور منها: إمّا أنَّ العالم لم يقف على تضعيف أولئك الجهابذة من المتقدمين ـ وإمّا أنّه على منهجهم في التصحيح والتضعيف إلاّ أنَّ العلّة قد خفيت عليه ولم ينتبه لها، وهذا لا يخلوا منه إنسان، وهو قليل عند الحفّاظ بفضل الله.
¥