تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ـ[أبو رقية الذهبي]ــــــــ[05 - 05 - 10, 06:50 م]ـ

للفائدة:

فائدة في تحقيق نسبة الأثر القائل: «إن الله ليزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن»!

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، ثم أما بعد:

فقد انتشر على ألسنة الكثيرين ذاك الأثر القائل: «إنَّ اللهَ لَيَزَعُ الناس بالسُّلطانِ مَا لا يَزَعُ بالقُرْآنِ». وقد ظن كثير من الناس -جهلاً منهم! - أن هذا الكلام مِن كلام النبي؛ وليس كذلك!.

بل إن هذا الكلام يُنْسَبُ لخليفتين مِن الخلفاء الراشدين؛ وهما: عثمان بن عفان وعمر بن الخطاب -رضي الله عنهما-.

وبيان ذلك على الوجه التالي:

أولاً: متن الأثر:

يُرْوَى عن عثمان بن عفان -رضي الله عنه-؛ أنه قال: «رُبَّمَا يَزَعُ السُلْطَانُ النَّاسَ أَشَدُّ مِمَّا يَزَعُهُمُ الْقُرْآنُ».

ويُرْوَى كذلك!! عن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-؛ أنه قال:: «لَمَا يَزَعُ اللهُ بالسُّلْطَانِ أَعْظَمُ مِمَّا يَزَعُ بِالْقُرْآنِ»

ثانيًا: تخريج الأثر مع بيان درجته:

? أخرجه ابن شبة في «تاريخ المدينة» (3/ 988) من طريق موسى بن إسماعيل عن حماد بن سلمة عن يحيى بن سعيد الأنصاري عن عثمان -رضيى الله عنه- (أنه!) قال: ثم ساقه.

قلتُ:

وإسناده لامع؛ رجاله ثقات. غير أنه مرسل!؛ فيحيى بن سعيد لم يدرك عثمان لكونه من صغار التابعين.

ورواه أبو بكر بن العربي -في «أحكام القرآن» - من طريق أشهب بن عبد العزيز -تلميذ مالك- عن الإمام مالك بن أنس عن عثمان -رضي الله عنه- أنه قال: «مَا يَزَعُ النَّاسَ السُّلْطَانُ أَكْثَرَ مِمَّا يَزَعُهُمْ الْقُرْآنُ» ثم قال: «قال ابنُ وَهْبٍ مِثْلَهُ، وَزَادَ: "ثُمَّ تَلاَ مَالِكٌ: {فَهُمْ يُوزَعُونَ} أَيْ يُكَفُّونَ"».

قلتُ:

وهو مرسل أيضًا -كما هو ظاهر! -، ولم أقف عليه!. ثم إنه منقطع بين ابن العربي ومن روى عنهم -أشهب وابن وهب-.

? وأخرجه الخطيب في «تاريخ بغداد» (5/ 173) من طريق الهيثم بن عدي عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر؛ قال: سمعت عمر بن الخطاب يقول: «لَمَا يَزَعُ اللهُ بالسُّلْطَانِ أَعْظَمُ مِمَّا يَزَعُ بِالْقُرْآنِ».

قلتُ:

وهذا إسناد تالف!؛ فالهيثم بن عدي متروك = متهم بالكذب!

قال يحيى بن معين –كما في «تاريخه برواية الدوري» (1767) -: «ليس بثقة كان يكذب» اهـ.

وقال أبو حاتم الرازي: «سألت أبى عنه فقال متروك الحديث محله محل الواقدي» اهـ عن «الجرح والتعديل» (9/ 85)

وقال النسائي في «كتاب الضعفاء والمتروكين» (637): «متروك الحديث» اهـ.

والخلاصة: أن هذا الأثر ((لا يثبت)) عن عثمان -رضي الله عنه-، ولا عن أي من الخلفاء الراشدين؛ فضلاً عن أن يثبت عن النبي. لكن ذلك لا يمنع أن يكون معناه صحيحًا؛ كما سيأتي بيانه إن شاء الله.

ثالثًا: غريب الأثر:

يَزَعُ:

أي يَكُفُّ ويَمْنَعُ، يُقال: وَزَعَهُ يَزَ عُهُ وَزْعًا؛ إذا كَفَّهُ وَمَنَعَهُ. والوَزْعُ هو مَنْعُ النَّفْسِ وكَفُّهَا عن هَواها، ومنه سُمِّيَ الوُلَاةُ (وَزَعَةٌ) -جَمْعُ وَازِِع- لأنهم يمنعون الناسَ مِنْ مَحَارِم الله ويَكُفُّونَهُم عن ارتكابها.

انظر «لسان العرب» (15/ 286)، و «تاج العروس» (22/ 318 وما بعدها)، و «لنهاية» (5/ 180)، و «تهذيب اللغة» (3/ 100).

رابعًا: معنى الأثر:

قال القاضي أبو بكر بن العربي في «أحكام القرآن»:

«وقد جهل قوم المراد بهذا الكلام؛ فظنوا أن المعنى فيه أن قدرة السلطان تردع الناس أكثر مما تردعهم حدود القرآن.

وهذا جهل بالله وحكمه وحكمته ووضعه لخلقه، فإن الله ما وضع الحدود إلا مصلحة عامة كافة قائمة بقوام الحق، لا زيادة عليها ولا نقصان معها، ولا يصلح سواها، ولكن الظلمة خاسوا بها، وقصروا عنها، وأتوا ما أتوا بغير نية منها، ولم يقصدوا وجه الله في القضاء بها؛ فلذلك لم يرتدع الخلق بها.

ولو حكموا بالعدل؛ وأخلصوا النية، لاستقامت الأمور، وصلح الجمهور؛ وقد شاهدتم منا إقامة العدل والقضاء والحمد لله بالحق، والكف للناس بالقسط، وانتشرت الأمنة، وعظمت المنعة، واتصلت في البيضة الهدنة، حتى غلب قضاء الله بفساد الحسدة، واستيلاء الظلمة» اهـ

قلتُ:

ليس المقصودُ بالعبارة أن قدرةَ السلطانِ أعظمُ مِن قدرةِ اللهِ -عز وجل-؛ بل المقصود أن السلطانَ لو أجرى حدودَ اللهِ -كما أنزلها الله- بلا هوادة!؛ لَكَفَّ كثير من الناس عن الباطل. ولكن الناس في هذه الحالة لم يرعووا عن غيهم طاعة لله ورسوله؛ بل خوفًا من السلطان!. فكثير من الناس {يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ اللّهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً}!!؛ فلذلك هم مجرمون؛ لا يرتدعون بكلام الله ورسوله، وإنما يرتدعون خوفًا من عقوبة الحكام؛ لأن سوطهم مرفوع، وسيفهم مشهور.

وصدق أبو تمام عندما قال:

السَيفُ أَصدَقُ أَنباءً مِنَ الكُتُبِ ... في حَدِّهِ الحَدُّ بَينَ الجِدِّ وَاللَعِبِ

وهذا وإن كان مذمومًا -أعنى خوفهم من السلطان أكثر من الله- إلا أنه يحفظ أمن المجتمع المسلم من عبثهم وغيهم وانحرافهم.

فمعنى العبارة -كما يقول الحافظ ابن كثير في «تفسيره» (5/ 111) -:

«أن الله تعالى يمنع بالسلطان عن ارتكاب الفواحش والآثام، ما لا يمتنع كثيرٌ من الناس بالقرآن برغم ما فيه من الوعيد الأكيد، والتهديد الشديد؛ ((وهذا هو الواقع))!» اهـ بتصرف.

والحمد لله رب العالمين

http://www.way2jannah.com/vb/showthread.php?p=46233#post46233

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير