و إسنادُ المرسل:صحيحٌ إلى محمَّدٍ، لكنَّ محمَّداً هذا في معرفته بعضُ النَّظر.
فقد أخرجه ابن مندة في ((معرفة الصحابة " - كما في ((الإصابة)) (6/ 339) - طريق عبيد الله بن موسى التيمي عن المنكدر بن محمد بن المنكدر عن أبيه [عن محمد بن شرحبيل] قال ((أخذت قبضة من تراب قبر سعد بن معاذ فوجدت منه ريح المسك)).
قلت: و بناءً على هذا الأثر عدَّه أبو نعيم في الصحابة (1/ 196)، و قد تعقبه ابن حجر بقوله: ((قلت: ليس في الأمر الذي ذكره ما يتمسك بكونه صحابيا لأن شم تراب القبر يتأتى لمن تراخى زمانه بعد الصحابة ومن بعدهم)) (الإصابة 6/ 339).
قلت: لا يحتاجُ إلى هذا التأويل، فالإسناد ضعيف، لضعف المنكدر بن محمد، و
الصواب فيه أنه عن محمد بن شرحبيل أن رجلا ..
و أما محمد بن شرحبيل، فقد قال أبو نعيم: ((الصحيح: محمود بن شرحبيل،
أخرج عنه هذا الحديث، ثم ذكر حديث محمد بن عمرو عن محمد بن المنكدر)) اهـ قلت: لم أجد من ترجمه بترجمة مفردة سوى بعض من صنف في الصحابة، و أقل أحواله أن يكون تابعيا كبيرا، حالهُ مستورةٌ.
و بعد هذا؛ فلا شكَّ عندي أن هذا الإسناد صالحٌ للاعتبار، فمرسله كبيرٌ، محمدُ بنُ المنكدر سمعَ جماعةً من أصحاب النبي ?، و شيوخه في التابعين ثقاتٌ، و قد قال يعقوب بن شيبة: صحيح الحديث جدّاً، و قال ابن عيينة:لم يُدرك أحدا أجدر أن يقبل الناس منه إذا قال: قال رسول الله ? منه.
قلت: فروايته عن محمد بن شرحبيل تقويه و ترفعه، و الله أعلم.
و الثالث: عن الحسن أن النبي ? قال - حين دفن سعد بن معاذ -: ((أنه ضم في القبر ضمة حتى صار مثل الشعرة فدعوت الله أن يرفعه عنه وذلك أنه كان لا
يستبرىء من البول)).
أخرجه هناد (رقم: 357) و البيهقي عن ابن فضيل عن أبي سفيان عن الحسن به. و إسناد المرسل: ضعيف، لحال أبي سفيان فهو ضعيف عند جماعة أهل الحديث؛ لكن قال ابن عدي: ((روى عنه الثقات، و إنما أنكر عليه في متون الأحاديث أشياء لم يأت بها غيره، و أما أسانيده فهي مستقيمة)) اهـ.
قلت: و لعل من جملة منكراته قوله: ((وذلك أنه كان لا يستبرىء من البول))، و لا تنفعه رواية أبي معشر الآتية، فهما من بابة واحدة.
و الرابع:عن سعيد المقبري قال لما دفن رسول الله ? سعدا قال ((لو نجا أحد من ضغطة القبر لنجا سعد ولقد ضم ضمة اختلفت منها أضلاعه من أثر البول)).
أخرجه ابن سعد (4/ 430) قال: أخبرنا شبابة بن سوار قال أخبرني أبو معشر عن سعيد المقبري به.
و إسناد المرسل:ضعيف، لأجل أبي معشر.
و الخامس: عن جعفر بن برقان قال بلغني أن النبي ? قال وهو قائم عند قبر سعد ((لقد ضغط ضغطة أو همز همزة لو كان أحد ناجيا منها بعمل لنجا منها سعد)).
أخرجه ابن سعد (4/ 430) قال: أخبرنا كثير بن هشام قال أخبرنا جعفر بن برقان به.
و إسناده صحيح إلى جعفر، لكنه معضل، و جعفرُ:صدوقٌ.
خاتمة:
فتحصل ممّا ذكرنا أن الحديث ثابت من رواية جمع من الصحابة، بألفاظ مختلفة،
فضمُّ القبر لمعاذ ثابث من حديث ابن عمر و عائشة و جابر و ابن عياش، و المراسيل التي في الباب تقويه ـ فبعضها صحيح ـ، و أما إثبات الضمة مطلقا بلفظ: إن للقبر ضمة، فثابت من حديث عائشة و ابن عياش و أنس و بعض المراسيل.
و الحديث بشقيه المذكورين: قد صححه جمعٌ من أهل العلم ـ كما قدمنا ـ
و أختم هذا الجزء بمقالة الذهبيِّ في ترجمة سعد، قال - رحمه الله تعالى و رضي عنه و عن شيخه ابن تيمية -: ((قلت: هذه الضمة ليست من عذاب القبر في شيء بل هو أمر يجده المؤمن كما يجد ألم فقد ولده وحميمه في الدنيا، وكما يجد من ألم مرضه وألم خروج نفسه وألم سؤاله في قبره وامتحانه وألم تأثره ببكاء أهله عليه وألم قيامه من قبره وألم الموقف وهوله وألم الورود على النار ونحو ذلك فهذه الأراجيف كلها قد تنال العبد وما هي من عذاب القبر ولا من عذاب جهنم قط ولكن العبد التقي يرفق الله به في بعض ذلك أو كله ولا راحة للمؤمن دون لقاء ربه قال الله تعالى {وأنذرهم يوم الحسرة} وقال {وأنذرهم يوم الآزفة إذ القلوب لدى الحناجر}، فنسأل الله
تعالى العفو واللطف الخفي ومع هذه الهزات، فسعد ممَّن نعلم أنه من أهل الجنة، وأنَّه من أرفع الشهداء رضي الله عنه، كأنك يا هذا تظنُّ أنَّ الفائز لا يناله هولٌ في الدَّارين، ولا روعٌ ولا ألمٌ ولا خوفٌ سَلْ ربَّكَ العافيةَ، وأن يحشرَنا في زُمرة سعد)) (السير 1/ 290 - 291).
هذا، و الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، و صلى الله على نبينا محمد و على آله و صحابته و سلم تسليما كثيرا إلى يوم الدِّين.
و كان آخرُ الانتهاءِ من تبييضِه بعدَ عِشاء يومِ السَّبت 27 من ذي الحجة 1420هـ، و قد تمَّ بحثه على فترات متقطعة.
و كتب:
إبراهيمُ بنُ شريفٍ، أبو تَيمِيَّةَ، و أبو مُحَمَّدٍ المِيليُّ
عفا الله تعالى عنه و عن والديه و أهل و جميع المسلمين
¥