تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وهذا نص ما أورده القاسمي في تفسيره: (قال الزمخشريّ: قوله تعالى: {الَّذِينَ أَسْلَمُواْ} صفة أجريت على النبيين على سبيل المدح. كالصفات الجارية على القديم سبحانه. لا للتفصلة والتوضيح. وأريد بإجرائها التعريض باليهود، وأنهم بعداء من ملة الإسلام التي هي دين الأنبياء كلهم في القديم والحديث، وأن اليهودية بمعزل منها. انتهى.

قال الناصر في " الانتصاف ": وإنما بعثه على حمل هذه الصفة على المدح دون التفصلة والتوضيح، أنَّ الأنبياء لا يكونون إلا متّصفين بها. فذكر النبوّة يستلزم ذكرها. فمن ثَمَّ حمله على المدح، وفيه نظر؛ فإن المدح إنما يكون غالباً بالصفات الخاصة التي يميّز بها الممدوح عمن دونه. والإسلام أمر عام يتناول أمم الأنبياء ومتبعيهم كما يتناولهم. ألا ترى أنه لا يحسن في مدح النبيّ صلى الله عليه وسلم أن يقتصر على كونه رجلاً مسلماً؟ فإن أقل متبعيه كذلك.

فالوجه - والله أعلم - أن الصفة قد تذكر للعظم في نفسها ولينوّه بها إذا وصف لها عظيم القدر. كما يكون ثبوتها بقدر موصوفها. فالحاصل أنه كما يراد إعظام الموصوف بالصفة العظيمة قد يراد إعظام الصفة بعظم موصوفها. وعلى هذا الوصف جرى وصف الأنبياء بالصلاح في قوله تعالى: {وَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَاقَ نَبِيّاً مِنَ الصَّالِحِينَ} [الصافات: 112]. وأمثاله. تنويهاً بمقدار الصلاح؛ إذ جُعِل صفةَ الأنبياء، وبعثاً لآحاد الناس على الدأب في تحصيل صفته. وكذلك قيل في قوله تعالى: {الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا} [غافر: 7]. فأخبر، عن الملائكة المقربين، بالإيمان. تعظيماً لقدر الإيمان وبعثاً للبشر على الدخول فيه، ليساووا الملائكة المقربين في هذه الصفة. وإلاّ فمن المعلوم أن الملائكة مؤمنون ليس إلاّ. ولهذا قال: {وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا} يعني من البشر لثبوت حقّ الأخوة في الإيمان بين الطائفتين.

فكذلك - والله أعلم - جرى وصف الأنبياء في هذه الآية بالإسلام تنويهاً به. لقد أحسن القائل في أوصاف الأشراف، والناظم في مدحه صلى الله عليه وسلم:

~فلئن مدحتُ محمداً بقصيدتي ***** فلقد مدحتُ قصيدتي بمحمّدِ

والإسلام، وإن كان من اشرف الأوصاف، إذ حاصله معرفة الله تعالى بما يجب له ويستحيل عليه ويجوز في حقه، إلاَّ أن النبوة أشرف وأجلّ، لاستعمالها على عموم الإسلام مع خواص المواهب التي لا تسعها العبارة. فلو لم نذهب إلى الفائدة المذكورة في ذكر الإسلام بعد النبوة، في سياق المدح، لخرجنا عن قانون البلاغة المألوف في الكتاب العزيز، وفي كلام العرب الفصيح، وهو الترقي من الأدنى إلى الأعلى، لا النزول على العكس. ألا ترى أن أبا الطيب كيف تزحزح عن هذا المهيع في قوله:

~شمس ضحاها هلال ليلتها ... درّ تقاصيرها زبرجدها!

فنزل عن الشمس إلى الهلال، وعن الدر إلى الزبرجد في سياق المدح. فمضغت الألسن عرض بلاغته، ومزقت أديم صيغته. فعلينا أن نتدبّر الآيات المعجزات، حتى يتعلق فهمنا بأهداب علوّها في البلاغة المعهود لها. والله الموفق.) انتهى من تفسير القاسمي

وأما نص عبارة ابن عاشور فهو: (فالمراد بالّذين أسلموا الّذين كان شرعهم الخاصّ بهم كشرع الإسلام سواء، لأنّهم كانوا مخصوصين بأحكام غير أحكام عموم أمّتهم بل هي مماثلة للإسلام، وهي الحنيفية الحقّ، إذ لا شكّ أنّ الأنبياء كانوا على أكمل حال من العبادة والمعاملة، ألا ترى أنّ الخمر ما كانت محرّمة في شريعة قبل الإسلام ومع ذلك ما شربها الأنبياء قط، بل حرّمتها التّوراة على كاهن بني إسرائيل فما ظنّك بالنّبيء. ولعلّ هذا هو المراد من وصيّة إبراهيم لبنيه بقوله: {فلا تموتُنّ إلاّ وأنتم مسلمون} [البقرة: 132] كما تقدّم هنالك. وقد قال يوسف عليه السّلام في دعائه: {توفَّنِي مُسلماً وألْحقني بالصّالحين} [يوسف: 101]. والمقصود من الوصف بقوله: {الّذين أسلموا} على هذا الوجه الإشارة إلى شرف الإسلام وفضله إذ كان دين الأنبياء.) انتهى

ـ[أبومجاهدالعبيدي]ــــــــ[09 Nov 2009, 05:47 م]ـ

جاء في محاسن التأويل للقاسمي:

(لطيفة:

قال الناصر: في الآية سر بديع من البلاغة، يسمى قطع النظير عن النظير. وذلك أنه قطع الظمأ عن الجوع، والضحو عن الكسوة، مع ما بينهما من التناسب. والغرض من ذلك تحقيق تعداد هذه النعم وتصنيفها , ولو قرن كلا بشكله لتوهم المعدودات نعمة واحدة. وقد رمق أهل البلاغة سماء هذا المعنى قديما وحديثا، فقال الكندي الأول:

~كأني لم أركب جوادا للذة ولم أتبطن كاعبا ذات خلخال

~ولم أسبأ الزق الروي ولم أقل لخيلي: كري كرة بعد إجفال

فقطع ركوب الجواد عن قوله: لخيلي كري كرة , وقطع تبطن الكاعب عن ترشف الكاس، مع التناسب. وغرضه أن يعدد ملاذه ومفاخره ويكثرها.

على أن هذه الآية سرا لذلك، زائدا على ما ذكر، وهو قصد تناسب الفواصل. ولو قرن الظمأ بالجوع فقيل: إن لك أن لا تجوع فيها ولا تظمأ, لانتثر سلك رؤوس الآي. وأحسن به منتظما. انتهى. وهذا السر الذي سماه: قطع النظير عن النظير يسمى بالوصل الخفي. ومما قيل في وجه القطع: أن فيه التنبيه على أن الأولين، أعني الشبع والكسوة أصلان. وأن الأخيرين متممان. فالامتنان على هذا أظهر. ولذا فرق بين القرينتين. فقيل إن لك وأنك وأيضا روعي مناسبة الشبع والكسوة. لأن الأول يكسو العظام لحما. وأما الظمأ والضحى فمن واد واحد. وقيل: إن الغرض تعديد هذه النعم. ولو قرن كل بما يشاكله، لتوهم المقرونان نعمة واحدة.

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير