تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

والله تعالى عن ذلك مُتَعالٍ. ولذلك قال جل ثناؤه في محكم تنزيله: وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ [سورة إبراهيم: 4]. وقال لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ إِلَّا لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ [سورة النحل: 64]. فغير جائز أن يكونَ به مهتديًا، منْ كانَ بما يُهْدَى إليه جاهلًا.

فقد تبين إذًا -بما عليه دللنا من الدِّلالة- أن كلّ رسول لله جل ثناؤه أرسله إلى قوم، فإنما أرسله بلسان من أرسله إليه، وكلّ كتاب أنزله على نبي، ورسالة أرسلها إلى أمة، فإنما أنزله بلسان من أنزله أو أرسله إليه. فاتضح بما قلنا ووصفنا، أن كتاب الله الذي أنزله إلى نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، بلسان محمد صلى الله عليه وسلم. وإذْ كان لسان محمد صلى الله عليه وسلم عربيًّا، فبيِّنٌ أن القرآن عربيٌّ. وبذلك أيضًا نطق محكم تنزيل ربنا، فقال جل ذكره: إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ [سورة يوسف: 2]. وقال: وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ [سورة الشعراء: 192 - 195].

وإذْ كانت واضحةً صحةُ ما قلنا -بما عليه استشهدنا من الشواهد، ودللنا عليه من الدلائل- فالواجبُ أن تكون معاني كتاب الله المنزَل على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، لمعاني كلام العرب موافقةً، وظاهرُه لظاهر كلامها ملائمًا، وإن باينه كتابُ الله بالفضيلة التي فضَلَ بها سائرَ الكلام والبيان، بما قد تقدّم وَصْفُنَاهُ.

فإذْ كان ذلك كذلك، فبيِّن -إذْ كان موجودًا في كلام العرب الإيجازُ والاختصارُ، والاجتزاءُ بالإخفاء من الإظهار، وبالقلة من الإكثار في بعض الأحوال، واستعمالُ الإطالة والإكثار، والترداد والتكرار، وإظهارُ المعاني بالأسماء دون الكناية عنها، والإسرار في بعض الأوقات، والخبرُ عن الخاصّ في المراد بالعامّ الظاهر، وعن العامّ في المراد بالخاصّ الظاهر، وعن الكناية والمرادُ منه المصرَّح، وعن الصفة والمرادُ الموصوف، وعن الموصوف والمرادُ الصفة، وتقديمُ ما هو في المعنى مؤخر، وتأخيرُ ما هو في المعنى مقدّم، والاكتفاءُ ببعض من بعض، وبما يظهر عما يحذف، وإظهارُ ما حظه الحذف- أن يكون ما في كتاب الله المنزَل على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم من ذلك، في كلّ ذلك له نظيرًا، وله مِثْلًا وشبيهًا.

ونحن مُبَيِّنو جميع ذلك في أماكنه، إن شاء الله ذلك وأمدّ منه بعونٍ وقوّة.) انتهى كلام المصنف.

فهذه المقدمة كما يفهم من ترجمة المصنف لها تشتمل على أمرين:

الأمر الأول: بيان أن المعاني التي نزل بها القرآن متفقة مع المعاني التي يستعملها العرب في كلامهم الذي نزل به هذا القرآن؛ لأن هذا هو مقتضى الحكمة، فما من نبي إلا وقد أرسل بلسان قومه ليبين لهم.

الأمر الثاني:بيان فضل المعنى الذي باين به القرآن سائر الكلام،وهو أن القرآن الذي هو كلام الله تعالى قد فاق كل كلام، وتجاوز الحد الذي يطيقه البشر من القدرة على الإبانة، وبلغ أعلى درجات الفصاحة، وأسمى مراتب البلاغة.فصار بذلك معجزةً تؤيد من أوحاه الله إليه، وحجة على من كذب وأعرض عن الإيمان به وبمن أنزله الله إليه. ويلاحظ أن المصنف قد بدأ بتقرير هذا الأمر، وجعله كالمقدمة لتقرير الأمر الأول الذي ختم كلامه السابق بإيضاحه.

وقد ذكر المصنف في ختام كلامه السابق أنه سيفصل ما أجمله هنا في أماكنه، وهذا ما قام به فعلاً كما سيأتي إن شاء الله تعالى.

وهذه فوائد مستنبطة من كلام ابن جرير السابق:

1.أعلى منازل البيان، وأسنى مراتبه مرتبة: ما كان أبلغه في حاجة المبين عن نفسه، وأبينه عن مراد قائله، وأقربه إلى فهم سامعه.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير