تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

تمارَوْا في القرآن، فخالف بعضهم بعضًا في نفْس التلاوة، دون ما في ذلك من المعاني، وأنهم احتكموا فيه إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فاستقرأ كلَّ رجل منهم، ثم صَوَّب جميعَهُم في قراءتهم على اختلافها، حتى ارتاب بعضُهم لتصويبه إياهم، فقال صلى الله عليه وسلم للذي ارتاب منهم عند تصويبه جميعَهم: "إنَ الله أمرني أن أقرأ القرآن على سبعة أحرف". ومعلوم أن تمارِيهم فيما تمارَوْا فيه من ذلك، لو كان تماريًا واختلافًا فيما دلت عليه تلاواتهم من التحليل والتحريم والوعد والوعيد وما أشبه ذلك، لكان مستحيلا أن يُصوِّب جميعهم، ويأمرَ كل قارئ منهم أن يلزم قراءته في ذلك على النحو الذي هو عليه. لأن ذلك لو جاز أن يكون صحيحًا، وجبَ أن يكون الله جلّ ثناؤه قد أمرَ بفعل شيء بعينه وفَرَضَه، في تلاوة من دلّت تلاوته على فرضه - ونهى عن فعل ذلك الشيء بعينه وزَجر عنه، في تلاوة الذي دلت تلاوته على النهي والزجر عنه، وأباح وأطلق فعلَ ذلك الشيء بعينه، وجعل لمن شاء من عباده أن يفعله فِعْلَه، ولمن شاء منهم أن يتركه تَرْكَه في تلاوة من دَلت تلاوته على التخيير! وذلك من قائله إنْ قاله، إثباتُ ما قد نفى الله جل ثناؤه عن تنزيله وحُكْم كتابه فقال: (أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا) [سورة النساء: 82].وفي نفْي الله جلّ ثناؤه ذلك عن حُكْم كتابه، أوضحُ الدليل على أنه لم ينزل كتابه على لسان محمد صلى الله عليه وسلم إلا بحكمٍ واحدٍ متفق في جميع خلقه، لا بأحكام فيهم مختلفة. وفي صحة كون ذلك كذلك، ما يبطل دعوى من ادَّعى خلاف قولنا في تأويل قول النبي صلى الله عليه وسلم: "أنزِل القرآن على سبعة أحرف" للذين تخاصموا إليه عند اختلافهم في قراءتهم. لأنه صلى الله عليه وسلم قد أمرَ جميعهم بالثبوت على قراءته، ورضى قراءة كل قارئ منهم - على خلافها قراءةَ خصومه ومنازعيه فيها- وصوَّبها. ولو كان ذلك منه تصويبًا فيما اختلفت فيه المعاني، وكان قولُه صلى الله عليه وسلم: "أنزل القرآن على سبعة أحرف" إعلامًا منه لهم أنه نزل بسبعة أوجُهٍ مختلفة، وسبعة معان مفترقة - كان ذلك إثباتًا لما قد نفى الله عن كتابه من الاختلاف، ونفيًا لما قد أوجب له من الائتلاف. مع أنّ في قيام الحجة بأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يقض في شيء واحد في وقت واحد بحكمين مختلفين، ولا أذن بذلك لأمته - ما يُغْنى عن الإكثار في الدلالة على أن ذلك منفيٌّ عن كتاب الله. وفي انتفاء ذلك عن كتاب الله، وجوبُ صحة القول الذي قلناه، في معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم: "أنزل القرآن على سبعة أحرف"، عند اختصام المختصمين إليه فيما اختلفوا فيه من تلاوة ما تلَوْه من القرآن، وفسادِ تأويل قول من خالف قولنا في ذلك. وأحْرى أنّ الذين تمارَوْا فيما تمارَوْا فيه من قراءتهم فاحتكموا إلى النبي صلى الله عليه وسلم، لم يكن منكَرًا عند أحد منهم أن يأمرَ الله عبادَه جلّ ثناؤه في كتابه وتنزيله بما شاء، وينهى عما شاء، ويعِدَ فيما أحبَّ من طاعاته، ويوعِدَ على معاصيه، ويحْتِمَ لنبيه ويعظه فيه ويضربَ فيه لعباده الأمثال- فيُخاصمَ غيرَه على إنكاره سماعَ ذلك من قارئه. بل على الإقرار بذلك كلِّه كان إسلامُ من أسلم منهم. فما الوجهُ الذي أوجبَ له إنكارَ ما أنكر، إن لم يكن كان ذلك اختلافًا منهم في الألفاظ واللغات؟ وبعد، فقد أبان صحةَ ما قلنا الخبرُ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم نصًّا. وذلك الخبر الذي ذكرنا:47 - أن أبا كُريب حدثنا قال: حدثنا زيد بن الحباب، عن حماد ابن سلمة، عن علي بن زيد، عن عبد الرحمن بن أبي بَكرة، عن أبيه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قال جبريل: اقرإ القرآنَ على حرف. قال ميكائيل عليه السلام: استزدْه. فقال: على حرفين. حتى بلغ ستَّة أو سبعةَ أحرف، فقال: كلها شافٍ كافٍ، ما لم يختم آيةَ عذاب بآية رحمة، أو آيةَ رحمة بآية عذاب، كقولك: هلمَّ وتعال. فقد أوضح نصُّ هذا الخبر أنّ اختلاف الأحرف السبعة، إنما هو اختلاف ألفاظ، كقولك "هلم وتعال" باتفاق المعاني، لا باختلاف معانٍ موجبةٍ اختلافَ أحكامٍ. وبمثل الذي قلنا في ذلك صحت الأخبارُ عن جماعة من السَّلَف والخلف. 48 - حدثني أبو السائب سَلْمُ بن جُنادة

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير