ففي تفسير قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسَى فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قَالُوا وَكَانَ عِنْدَ اللَّهِ وَجِيهاً) الأحزاب: 69، ورد الخبر الآتي:
إن موسى كان رجلاً حَيِيًّا سِتِّيرًا، لا يُرَى من جلده شيء استحياء منه، فآذاه من آذاه من بني إسرائيل، فقالوا: ما يستَتِر هذا التستر إلا من عيب بجلده: إما برصٌ، وإما أُدْرَةٌ، وإما آفةٌ.
وإن الله أراد أن يُبَرِّئه مما قالوا لموسى، فَخَلا يومًا وحده، فوضع ثيابه على الحجر، ثم اغتسل، فلما فرغ أقبل إلى ثيابه ليأخذها، وإن الحجر عَدَا بثوبه، فأخذ موسى عصاه، وطلب الحجر، فجعل يقول: ثوبي حجر، ثوبي حجر، حتى انتهى إلى ملأ من بني إسرائيل، فرأوه عُرْيانا أحسن ما خلق الله، وأبرأه مما يقولون.
وقام الحجر، فأخذ ثوبه، فلبسه، وطَفِقَ بالحجر ضربًا بعصاه، فوالله إن بالحجر لندبًا من أثر ضربه ثلاثًا أو أربعًا أو خمسًا، فذلك قوله: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسَى فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قَالُوا وَكَانَ عِنْدَ اللَّهِ وَجِيهاً) الأحزاب: 69.
فهذا الخبر لا تخفى غرابته، وقد لا يحتمل العقل تصديقه، لكن إذا علِمت أنه خبر صحيح مرويٌّ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، رواه البخاري (ت: 256) وغيره = سلَّمت لذلك الخبر، وأدركت أنه خبر حقيقي واقع، مع ما فيه من الغرابة.
وليس يعني هذا أن يُقبل كل خبرٍ مع ما فيه من الغرابة، لكن المراد أنَّ الغرابة ليست ضابطًا كافيًا في ردِّ مثل هذه الأخبار، والله أعلم.
ومن الأمور التي يحسن التنبه لها أنَّ رواية السلف للإسرائيلية ـ خصوصًا الصحابة ـ لا يعني قبول ما فيها من التفاصيل، ومرادهم بها بيان مجمل ما ورد في القرآن بمجل ما ذُكِرَ في القصة، دون أن يلزم ذكرهم لها إيمانهم بهذه التفاصيل التي تحتاج في نقلها إلى سند صحيح، وذلك عزيز جدًّا فيما يرويه بنو إسرائيل في كتبهم
وقد ورد عنهم أنهم يميزون كذبها ويعرفونه، ولا يصدقون كل ما يُروى لهم من الإسرائيليات، وإن كان الذي يذكرها لهم محله الصدق عندهم، ومن ذلك ما ورد في خبر الخليفة معاوية بن أبي سفيان.
قال البخاري (ت: 256): وقال أبو اليمان أخبرنا شعيب عن الزهري أخبرني حميد بن عبد الرحمن سمع معاوية يحدث رهطا من قريش بالمدينة، وذكر كعب الأحبار، فقال: إن كان من أصدق هؤلاء المحدثين الذين يحدثون عن أهل الكتاب، وإن كنا مع ذلك لنبلو عليه الكذب صحيح البخاري ج: 6 ص: 2679
قال ابن حجر:» وقال ابن حبان في كتاب الثقات: أراد معاوية أنه يخطئ أحيانا فيما يخبر به، ولم يُرِدْ أنه كان كذابًا.
وقال غيره: الضمير في قوله لنبلو عليه للكتاب لا لكعب، وإنما يقع في كتابهم الكذب؛ لكونهم بدَّلوه وحرَّفوه.
وقال عياض: يصح عوده على الكتاب، ويصح عوده على كعب وعلى حديثه، وإن لم يقصد الكذب ويتعمده؛ إذ لا يشترط في مسمى الكذب التعمد، بل هو الإخبار عن الشيء بخلاف ما هو عليه، وليس فيه تجريح لكعب بالكذب.
وقال ابن الجوزي: المعنى: إن بعض الذي يخبر به كعب عن أهل الكتاب يكون كذبًا، لا أنه يتعمد الكذب، وإلا فقد كان كعب من أخيار الأحبار «[فتح الباري (13: 335)]
بعض الأمور التي تتعلق بالإسرائليات:
إن من يستقري الإسرائيليات التي وردت عن السلف، سيجد الأمور الآتية:
1 ـ أنها أخبار لا يبنى عليها أحكام عملية.
2 ـ أنه لم يرد عن السلف أنهم اعتمدوا حكمًا شرعيًا مأخوذًا من روايات بني إسرائيل.
3 ـ أنه لا يلزم اعتقاد صحتها، بل هي مجرد خبر.
4 ـ أنَّ فيها ما لم يثبت عن الصحابة، بل عن من دونهم.
5 ـ أن تعليق الأمر في بعض الإسرائيليات على أنه لا يقبلها العقل أمر نسبي، فما تراه أنت مخالف للعقل، قد يراه غيرك موافق للعقل.
6 ـ أن الكثرة الكاثرة في هذه الإسرائيليات لا يوضح أمرا يتعلق بالتفسير بل يكون التفسير واضحا بدونها وقد يكون معلوما من حيث الجملة والإسرائيلية لاتفيد فيه زيادة ولا قيد.
7 ـ أن هذه الإسرائيليات من قبيل التفسير بالرأي.
¥