ـ[أبومجاهدالعبيدي]ــــــــ[26 Apr 2003, 10:27 ص]ـ
4 - - الرؤيا الصادقة في المنام: وكانت مبدأ الوحي إلى النبي r كما في صحيح البخاري عن عائشة قالت: أول ما بدئ به رسول الله r من الوحي الرؤيا الصادقة في النوم، فكان لايرى رؤيا إلاَّ جاءت مثل فلق الصبح ....
قال ابن عبدالبر - رحمه الله -: (ولا خلاف بين العلماء أن رؤيا الأنبياء وحي بدليل قوله عزوجل حاكياً عن إبراهيم وابنه صلوات الله عليها: {إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَاأَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ} [الصافات: 102] يعني ما أمرك الله به في منامك. وهذا واضح، والحمد لله كثيراً) (1) ا هـ.
فرؤيا الأنبياء وحيٌ بلاشك، ومِمَّا يدل على ذلك أيضاً ما أخرجه الطبراني عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: رؤيا الأنبياء وحي (2).
وأمَّا رؤيا غير الأنبياء فقد أخبر النبي r أن الرؤيا الحسنة من الرجل الصالح جزء من ستة وأربعين جزاءً من النبوة (3).
ووجه كون الرؤيا الحسنة جزءاً من النبوة محتمل لأمور ذكرها ابن حجر - رحمه الله - وهي باختصار:
الأول: أن الرؤيا إن وقعت من نبي فهي جزء من أجزاء النبوة حقيقة، وإن وقعت من غير النبي فهي جزء من أجزاء النبوة على سبيل المجاز.
الثاني: أن الرؤيا تجيء على موافقة النبوة لا أنها جزء باق من النبوة.
الثالث: أنها جزء من عِلْمِ النبوة؛ لأن النبوة وإن انقطعت فعلمها باق (4).
وأمَّا ابن عبدالبر فقال في وجه كون الرؤيا الحسنة جزءاً من النبوة: (وقد يحتمل أن تكون الرؤيا جزءاً من النبوة لأن فيها ما يعجز ويمتنع كالطيران، وقلب الأعيان، ولها التأويل الحسن، ورُبَّما أغنى بعضها عن التأويل) (5).
وهذه الأقوال كلها محتملة، ولا تعارض بينها، فهي متوافقة غير متدافعة ولا متعارضة. ولايلزم منها أن تكون النبوة باقية لبقاء جزء منها، وذلك لأن جزء الشيء إذا ثبت فلايلزم من ذلك كون الشيء ثابتاً موجوداً، كمن قال: أشهد أن لا إله إلاَّ الله رافعاً صوته لايسمى مؤذناً، ولايُقال إنه أذن، وإن كانت جزءاً من الأذان، وكذا لو قرأ شيئاً من القرآن وهو قائم لايسمى مصلياً وإن كانت القراءة جزءاً من الصلاة (6).
وإذا كانت الرؤيا الحسنة الصادقة من الرجل الصالح الصادق جزءاً من النبوة، فهل تعتبر وحياً يترتب عليه ما يترتب على وحي الأنبياء من تشريع الأحكام، والعمل بمقتضاها كما في رؤيا إبراهيم عندما رأى أنه يذبح ابنه إسماعيل؟.
قال ابن عبدالبر - رحمه الله - عند شرحه لحديث عبدالله بن زيد، الذي رأى فيه أنه رأى رجلاً في المنام فعلمه صفة الأذان، فلما أخبر بها النبي r قال: إنها لرؤيا حق - إن شاء الله -، قال: (وفي ذلك أوضح الدلائل على أن الرؤيا من الوحي والنبوة، وحسبك بذلك فضلاً لها وشرفاً، ولولم تكن من الوحي ما جعلها عليه السلام شرعة ومنهاجاً لدينه، والله أعلم) (7) ا هـ.
وهذا الذي ذكره ابن عبدالبر يُفهم منه أن مشروعية الأذان كانت بناءً على هذه الرؤيا، وهذا المفهوم مخالف لما عليه أهل السنة والجماعة من الإجماع على أنه لايترتب على رؤيا غير الأنبياء تشريع حكم شرعي، وإنَّما تكون تأنيساً للرائي أو تبشيراً له أو إنذاراً (8).
قال المحقق الشاطبي (9) في كتاب الاعتصام وهو يبين مآخذ أهل البدع: (وأضعف هؤلاء احتجاجاً قوم استندوا في أخذ الأعمال إلى المقامات وأقبلوا وأعرضوا بسببها، فيقولون: رأينا فلاناً الرجل الصالح، فقال لنا: اتركوا هذا، واعملوا كذا، ويتفق مثل هذا كثيراً للمتمرسين برسم التصوف، ورُبَّما قال بعضهم: رأيت النبي r في النوم، فقال لي كذا، وأمرني بكذا، فيعمل بها ويترك بها معرضاً عن الحدود الموضوعة في الشريعة، وهو خطأ؛ لأن الرؤيا من غير الأنبياء لايحكم بها شرعاً على حال إلاَّ أن تعرض على ما في أيدينا من الأحكام الشرعية، فإن سوغتها عمل بمقتضاها وإلاَّ وجب تركها والإعراض عنها، وإنَّما فائدتها البشارة أو النذارة خاصة، وأمَّا استفادة الأحكام فلا ...
¥