فإن قوله تعالى (إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ) جاء سياقها بعد ذكر أنواع المخلوقات وإبداع خلق الله تعالى لها ليعمم الوصف على كل الاختصاصات العلمية من شرعية وكونية، والأحاديث النبوية التي حضت على طلب العلم تؤكد هذا كالحديث الذي أخرجه مسلم وغيره: (من سلك طريقاً يلتمس به علماً سهل الله له طريقاً إلى الجنة).فتنكير العلم في الحديث دل على العموم في العلم المراد طلبه والله أعلم.
ـ[عبدالرحمن الشهري]ــــــــ[30 Apr 2003, 10:47 ص]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
أشكر الأخ الكريم مرهف على انضمامه إلينا في ملتقى أهل التفسير، وأرجو أن يتحفنا دائماً بمثل هذه المشاركة، مع الحرص قدر الاستطاعة على تحرير المشاركات قبل اعتمادها، أو تحريرها بعد ذلك، والعناية بها، والأمر في ذلك قريب وميسور والحمد لله.
وأما ما أشرت إليه يا أخي الكريم حول مصطلح (التفسير العلمي)، وأنه مصطلح تشم منه رائحة العلمانية، وأن فيه ما يشبه اللمز لغيره من أنواع التفسير، فيمكن الحديث حوله في مسائل:
الأولى: أننا لا ننكر أن العلمانية قد القت بظلالها على جوانب كثيرة في حياة المسلمين اليوم، وأن الذي يقرأ الكتب التي درست هذا الأمر دراسة عميقة لا يساوره شك في هذا الأمر. وأخص بالذكر كتابين أراهما من أهم ما قرأته في هذا الباب، وهما كتاب (العلمانية الجزئية والعلمانية الشاملة) للدكتور عبدالوهاب بن محمد المسيري وفقه الله وبارك في علمه وجزاه عن الإسلام خير الجزاء، ويقع كتابه في جزأين جمع فيهما بين النظرية والتطبيق وتحدث بعمق لم يسبق إليه في هذا الموضوع، والكتاب الثاني كتاب (العلمانية - نشأتها وتطورها وآثارها في الحياة الإسلامية المعاصرة) للدكتور سفر بن عبدالرحمن الحوالي وفقه الله ورفع درجته. وذلك في حديثهم عن أثر العلمانية وفصلها بين العلم والدين سواء في بلاد المنشأ أو في العالم الإسلامي. والحديث في هذا الأمر يطول.
الثانية: أن (التفسير العلمي) مصطلح حادث، والأصل في المصطلحات عدم المشاحة، وإذا بين أهل الاصطلاح مرادهم بالمصطلح بما لامحذور فيه، فلست أرى في ذلك إشكالاً، على أن الأمر قابل للأخذ والرد في هذا الباب، حيث يمكن أن يقال: لماذا لا يبحث عن مصطلح غير موهم، حتى نخرج من الخلاف. وهذا أمر مقبول، فما لا خلاف حوله أولى. ومن الملاحظ أن أكثر من اعتنى بهذا اللون من التفسير وتحمس له، هم علماء الكون والطبيعة والكيمياء ونحوهم، وليسوا من علماء الشريعة. وقد ثارت في الخمسينات من هذا القرن الميلادي العشرين معركة جدلية على صفحات الصحف المصرية خاصة، بين فريقين من العلماء حول هذه القضية، ولا يزال الخلاف قائماً.
الثالثة: أن المراد (بالتفسير العلمي) هو تفسير الآيات التي تتحدث عن الكون وخلق الإنسان ونحو ذلك بما توصل إليه العلم الحديث من اكتشاف واطلاع على حقائق لم يهتد إليها السابقون.
وهذا نوع من التفسير لا يمكننا أن نغفل أثره في إظهار صدق القرآن، وإعجازه للناس، وزيادة الإيمان في قلوب المطلعين عليه، والعلماء الذين قالوا به لم يتركوا الأمر مهملاً، بل وضعوا له ضوابط لقبوله من أهمها:
1 - أن لا يصادم هذا التفسير أصلاً قد علم بدلالة القرآن الكريم أو السنة الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم. فإن صادم هذا التفسير شيئاً من ذلك فهو رد.
2 - أن يحتمل اللفظ في اللغة العربية هذا التفسير الذي ذهب المفسر إليه، فإن لم يتحقق هذا الشرط رد هذا التفسير.
3 - أن يكون هذا التفسير العلمي من الحقائق العلمية التي ثبتت ثبوتاً لا شك فيه، بالبراهين والحجج الصادقة. فإن كان هذا التفسير مجرد نظريات لم تثبت، فلا يقبل هذا التفسير، ولا يجعل القرآن الكريم غرضاً لتجارب الناس.
فإذا اجتمعت هذه الشروط فما المانع من قبول هذا النوع من التفسير بعد ذلك.
وما معنى قول الله تعالى: (سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق)؟ ألا يدل تدبرها على مثل هذه المعاني؟ من أن الله قد وعد بأن يكشف لخلقه من الآيات في الأنفس وفي الآفاق ما يجعلهم يوقنون بأن هذا القرآن وهذا الدين وهذا النبي صلى الله عليه وسلم حق لا شك فيه ولا لبس.
¥