وقد كتب الشيخ جودت سعيد وفقه الله كثيراً من التأملات الجديرة بالوقوف والتأمل حول هذه المعاني في كتبه حول الآيات في الأفآق والأنفس.
الرابعة: أن فكرة (التفسير العلمي) ليست حديثة، فقد نبه عدد من الأطباء وغيرهم من قبل على أشياء، وربطوها بالقرآن، لكنها لم تبلغ ما بلغه العلم اليوم. ولك أن تراجع كتاب القانون لابن سينا، وكتب الرازي، وكتاب (الإنباء في تراجم الأطباء) لابن أبي أصيبعة لتجد في تراجم عدد من الأطباء مثل هذه الإشارات.
وفي العصر الحديث خلال القرن الماضي، ألف الشيخ طنطاوي بن جوهري المصري المتوفى سنة 1358هـ تفسيره المسمى بالجواهر، وملأه بذكر الاكتشافات العصرية، وربطها بالقرآن، وكان يمثل بالصور في كتابه هذا، فرفضه الناس وعابوه، لما رأوا فيه من التكلف والمبالغة. حتى منعته الحكومة السعودية في حينها بناء على فتاوى العلماء من دخول السعودية، وبقي ممنوعاً حتى عهد قريب.
الخامسة: أنه قد كتب فيه أناس من أفاضل العلماء قديماً وحديثاً، فمن الذين كتبوا فيه قديماً الغزالي (ت 505هـ)، وفخر الدين الرازي، وابن أبي الفضل المرسي، وبدر الدين الزركشي، وجلال الدين السيوطي (911هـ) وإن كانت كتابتهم لم تخرج من حيز النظرية إلى التطبيق. وإنما يبقى لهم فضل السبق.
وأما في العصر الحديث فالكتابات فيه كثيرة، والذي اطلعت عليه وقرأته منها قليل، ومن أهمها:
- ما كتبه الشيخ محمد عبده في كتابه (الإسلام والنصرانية مع العلم والمدنية)، وطنطاوي جوهري في تفسيره الذي أشرت إليه، وقد نحى هذان العالمان منحى الغلو والإفراط في هذا الجانب، والذي يبدو لي أن نفور الناس من هذا النوع من التفسير بسبب ما كتبه أماثل هذين العالمين، غفر الله لهما، فقد تعسفا كثيراً في طريقتهما في التفسير حتى أنكر عليهما الكثيرون.
- ما كتبه المراغي في تفسيره، وعبدالحميد بن باديس في مجالسه في التفسير، ومحمد عبدالله دراز في كتابه الثمين (مدخل إلى دراسة القرآن)، ومصطفى الرافعي، ومحمد أحمد الغمراوي. والغمراوي هذا من أدق من تناول هذا الموضوع على حد علمي، فهو من العلماء الربانيين، الذين كتب لكتبهم الذيوع والقبول، وقد كتب في ما يسمى بالتفسير العلمي كتباً، ورد على أقوال المانعين. ولكنه من القائلين بالتفسير العلمي بطريقة مقبولة، غير مُفرِط ولا مفرِّط. وله في ذلك كتاب (الإسلام في عصر العلم)، ولعله يكون لنا عودة إلى كتب الغمراوي مرة أخرى في ملتقى أهل التفسير.
- للطاهر ابن عاشور رحمه الله في كتابه التحرير والتنوير كلام جيد في ضوابط قبول هذا النوع من التفسير ذكرها في المقدمة الرابعة من تفسيره (فيما يحق أن يكون غرض المفسر) فلتراجع حتى لا أطيل.
- ما كتبه الشيخ محمد حسين الذهبي في كتابه (التفسير والمفسرون) حيث تحدث عن هذا النوع ومثل له.
- من الكتب المتأخرة التي كتبت في هذا النوع من التفسير كتابة في غاية النفاسة ما كتبه علامة العراق السيد محمود شكري الآلوسي رحمه الله (1273 - 1342هـ) في كتابه الثمين (ما دل عليه القرآن مما يعضد الهيئة الجديدة القويمة البرهان). وقد طبعه زهير الشاويش وخرج أحاديثه العلامة محمد ناصر الدين الألباني رحمه الله، وهو كتاب حري بالقراءة والتأمل، والمكان يضيق عن التفصيل.
- ما كتبه الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي وفقه الله وبارك فيه في كتابه القيم (كيف نتعامل مع القرآن العظيم) حيث تحدث عن نشأة هذا اللون من التفسير، واختار رأياً وسطاً بين المجيزين والمانعين. فيمكن مراجعته.
- ومن آخر الكتب التي كتبت في التفسير العلمي بتوسع ما كتبه الدكتور أحمد بن عمر أبو حجر وفقه الله في كتابه (التفسير العلمي للقرآن في الميزان) وهو رسالة دكتوراه، بسطت الحديث حول هذا الموضوع بشكل جيد فجزاه الله خيراً. كما إنني اطلعت على رسالة جيدة حول موضوع التفسير العلمي في قسم القرآن وعلومه بكلية أصول الدين بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية وفات علي اسم الباحث وسنة البحث.
¥