تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وقد ذُكِرَ في صفحة مستقلة أعضاء العمل، ومهمة كل واحدٍ منهم، ولقد كان إخراجه بديعًا يناسب ما في هذا التأليف من الإبداع والحُسن. وكم أتمنى أن يحرص ناشرو الكتب الإسلامية على حسن الإخراج للكتب، فكم من كتاب يعينك على القراءة بحسن إخراجه.

12 ـ كم كنت أود لو كانت المقدمة للكتاب تتناسب مع جلالة مؤلفة وعظمة تأليفه، وأن يستخرج منهجه من خلال ما قام به المحققون؛ إذ الكلام عن منهجه جاء وصفيًا خاليًا من الأمثلة مع تيسرها لمن قام بتحقيقه، وبقي معه مدة من الزمن.

ولقد وقع في الحديث عن منهجه بعض الأخطاء أحببت أن أذكر أهمها، فمنها:

? جاء في ص 50:» فالترجيح بالروايات هو أقوى مرجحات الطبري لما يختاره من المعاني التي يستنبطها «.

أقول لم يكن هذا هو المنهج العام الذي سار عليه الطبري، بل كان يرجح بعض الروايات التي فيها ضعف، فهو ينظر إلى المعنى أكثر من نظره للإسناد أو لطبقة المفسر، إلا في حالات قليلة، وهذا ظاهر من منهجه.

? وجاء في الصفحة نفسها:» وكان الأولى به أن يتحرى نقد الأسانيد؛ خاصة أنه ساق كثيرًا من الإسرائيليات، ولعل دافعه إلى ذلك أنه ساق السند بتمامه، ومن أسند لك فقد حمَّلك أمانة البحث عن رجال الإسناد، وبالتالي فقد أخلى عهدته ... «.

على هذا الكلام ملحوظتان:

الأولى: أن اشتراط التحري في أسانيد التفسير ليس هو المنهج الذي قام عليه منهج المحدثين الذين فرقوا بين أحاديث الحلال والحرام والمرفوعات وغيرها، بل لقد نصوا على قبول الروايات التفسيرية على ما فيها من ضعف، وعمل المحدثين والمفسرين على هذا، والطبري مثال لذلك، لذا لا تجد عنده نقد أسانيد مرويات التفسير إلا نادرًا، لأن هذه الروايات مما تلقاه العلماء بالقبول، وعملوا بها في فهم كلام الله، ولا يُعترض عليها إلا في حالة وقوع نكارة تدعو إلى تحري الإسناد.

ومن أقوال أئمة الحديث في ذلك ما ذكره البيهقي في مقدمة كتابه العظيم (دلائل النبوة):

قال عبد الرحمن بن مهدي:» إذا روينا في الثواب والعقاب وفضائل الأعمال = تساهلنا في الأسانيد، وتسامحنا في الرجال. وإذا روينا في الحلال والحرام والأحكام = تشدَّدنا في الأسانيد وانتقدنا الرجال «(دلائل النبوة / 1: 43).

قال يحيى بن سعيد القطان:» تساهلوا في التفسير عن قومٍ لا يوثِّقونهم في الحديث، ثمَّ ذكر ليث بن أبي سليم، وجويبر بن سعيد، والضحاك، ومحمد بن السائب؛ يعني: الكلبي.

وقال: هؤلاء يُحمد حديثهم (كذا، ولعل الصواب: لا يحمد)، ويُكتب التفسير عنهم «(دلائل النبوة للبيهقي / 1: 35 ـ 37) ..

قال البيهقي:» وإنما تساهلوا في أخذ التفسير عنهم لأن ما فسروا به؛ ألفاظه تشهد لهم به لغات العرب، وإنما عملهم في ذلك الجمع والتقريب فقط «(دلائل النبوة / 1: 37).

وقال البيهقيُّ (ت: 458):» … وأما النوع الثاني من الأخبار، فهي أحاديث اتفق أهل العلم بالحديث على ضعف مخرجها، وهذا النوع على ضربين:

ضرب رواه من كان معروفًا بوضع الحديث والكذب فيه، فهذا الضرب لا يكون مستعملاً في شيء من أمور الدين إلا على وجه التليين.

وضرب لا يكون راويهِ متَّهمًا بالوضع، غير أنه عُرفَ بسوء الحفظِ وكثرة الغلطِ في روايته، أو يكون مجهولاً لم يثبت من عدالته وشرائط قبول خبره ما يوجب القبول.

فهذا الضرب من الأحاديث لا يكون مستعملاً في الأحكام، كما لا تكون شهادة من هذه صفته مقبولةً عند الحكَّام. وقد يُستعمل في الدعوات، والترغيب والترهيب، والتفسير، والمغازي؛ فيما لا يتعلق به حكمٌ «(دلائل النبوة / 1: 33 ـ 34).

وإذا عُرِفَ هذا، فإن ما ذُكر من الكلام على الأسانيد الدائرة الضعيفة (ص: 187) مع أنه عن بعض الأسانيد، فإنه لا فائدة فيه من جهة العمل التفسيري؛ لأن هذه الأسانيد التي حكم عليها بالضعف مما اشتهر أخْذُ المفسرين به، وقد سبق بيان أن منهج المحدثين قبول هذه الروايات في التفسير، والله أعلم.

الثانية: أن الطبري لم يَسِرْ على قاعدة من أسند فقد حمَّلك البحث عن الإسناد، والدليل على ذلك ما سبق من أنه اعتمد على هذه الروايات في بيان كلام الله، ولم ينتقدها، ولو كان إنما ذكرها فقط لجاز أن يقال بهذا، مع أني أرى انه لا يقال به إلا بنص صريح من المؤلف أنه أراد هذه القاعدة في منهجه، وذلك ما لا تجده عند ابن جرير لا نصًّا ولا استقراءً، بل منهجه مخالف لها، والله أعلم.

وهناك بعض الملحوظات في الكلام على منهج الطبري في الإسرائيليات والقراءات، اتركها لضيق المقام.

وأخير أقول: إن هذا الكتاب كتابٌ للأمة، وأرى أن المشاركة في تحسينه بأي صورة من الواجبات، وأرجو أن يكون هذا التحقيق الذي خرج له هو التحقيق الإمام الذي ليس له ما بعده، وما ذكرته فمن باب النصح والحرص على هذا الكتاب العظيم، وما توفيقي إلا بالله.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير