3 - وقال على - رضى الله عنه - لما سئل عن قوله تعالى: (ورتل القرآن ترتيلاً) قال: الترتيل معرفة الوقوف وتجويد الحروف.
قال ابن الجزرى فى النشر: فى كلام على - رضى الله عنه - دليل على وجوب تعلم الوقف والابتداء ومعرفته.
وفى كلام ابن عمر برهان على أن تعلمه إجماع من الصحابة - رضى الله عنهم - أجمعين وصح بل تواتر عندنا تعلمه والاعتناء به من السلف الصالح كأبى جعفر يزيد ابن القعقاع - أحد القراء العشرة - وإمام أهل المدينة الذى هو من أعيان التابعين، وصاحبه الإمام نافع بن أبى نعيم وأبى عمرو بن العلاء، ويعقوب الحضرمى،وعاصم بن أبى النجود - وهم من القراء العشرة - وغيرهم من الأئمة، وكلامهم فى ذلك معروف، ونصوصهم عليه مشهورة فى الكتب؛ ومن ثم اشترطه كثير من أئمة الخلف على المجيز أن لا يجيز أحداً إلا بعد معرفته الوقف والابتداء.
وكان أئمتنا يوقفوننا عند كل حرف، ويشيرون إلينا فيه بالأصابع، سنة أخذوها كذلك عن شيوخهم الأولين -رحمة الله عليهم أجمعين. ا. هـ ....
4 - وأختم هذه الأدلة بحديث نبوى كما استهللتها به وهو حديث أبى بن كعب رضي الله عنه، قال: أتينا رسول الله -صلى الله عليه وسلم - فقال: إن الملك كان معى فقال: اقرأ القرآن، فعد حتى بلغ سبعة أحرف فقال: ليس منها إلا شاف كاف ما لم تختم آية عذاب برحمة، أو تختم رحمة بعذاب.
قال أبو عمرو الدانى: هذا تعليم التمام من رسول الله -صلى الله عليه وسلم - عن جبريل عليه السلام، إذ ظاهره دالّ على أنه ينبغى أن تقطع الآية التى فيها ذكر النار والعقاب وتفصل مما بعدها إذا كان بعدها ذكر الجنة والثواب، والأمر كذلك أيضاً إذا كانت الآية فيها ذكر الجنة والنار بأن يفصل الموضع الأول عن الثانى.
قال السخاوى معقباً: لأن القارئ إذا وصل غير المعنى؛ فإذا قال: (تلك عقبى الذين اتقوا وعقبى الكافرين) غيرّ المعنى وصير الجنة عقبى الكافرين ....
والسلف الصالح - رضى الله عنهم - كانوا يراعون مواضع الوقف والابتداء تمام المراعاة خشية أن يقف الواحد منهم على مالا يجوز أو أن يبتدئ بما لا ينبغى بل إن بعضهم كان إذا قرأ ما أخبر الله به من مقالات الكفار يخفض صوته بذلك حياءً من الله أن يتفوه بذلك بين يديه. وليس معنى ذلك أن من يجهر بمثل ذلك يكون مخطئاً أو لم يراع قواعد الأدب مع الله لأن السر والجهر بالنسبة إلى الله تعالى سواء. قال تعالى: (وأسروا قولكم أو اجهروا به إنه عليم بذات الصدور).
ومن العلماء الذين نبهوا على وجوب مراعاة ذلك الإمام مكى بن أبى طالب فى كتابه الكشف عن وجوه القراءات السبع، وضرب على ذلك بعض الأمثلة على ما لا يجوز الابتداء به ومن ذلك الابتداء فى القراءة بقوله تعالى: (الله لا إله إلا هو) بعد الاستعاذة مباشرة فإنه غير سائغ؛ لأن القارئ يصل "الرجيم" بلفظ الجلالة وذلك قبيح فى اللفظ يجب الكف والامتناع عنه إجلالاً لله وتعظيماً له.
ومنه أيضاً الابتداء بقوله تعالى: (إليه يرد علم الساعة) بعد الاستعاذة مباشرة لأن القارئ يقول: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. إليه يرد علم الساعة؛فيصل ذلك بالشيطان وهو قبيح جدا ً.
ما يشترط فيمن يقوم بتحديد مواضع الوقف والابتداء
ليس لكل واحد من الناس أن يحدد مواضع الوقف والابتداء بل ينبغى توفر شروط فيمن يقوم بشأن تحديد مواضع الوقف والابتداء منها:
1 - العلم بالنحو: حتى لا يفصل -بالوقف - بين المبتدأ وخبره أو بين المتضايفين - أى المضاف والمضاف إليه - أو بين المستثنى والمستثنى منه اللهم إلا إذا كان هذا الاستثناء منقطعاً؛
فإن العلماء قد اختلفوا فيه على ثلاثة أقوال:
أ- قال بعضهم: يجوز الفصل مطلقاً؛ لأنه فى معنى مبتدأ حذف خبره للدلالة عليه.
ب- وقيل: هو ممتنع مطلقاً لأن المستثنى فى حاجة إلى المستثنى منه - فى هذه الحالة - من جهة اللفظ والمعنى حيث لم يعهد استعمال إلا الاستثنائية وما فى معناها إلا متصلة بما قبلها لفظاً ومعنى كذلك لأن ما قبلها مشعر بتمام الكلام فى المعنى؛ إذ قولك: ما فى الدار أحد هو الذى صحح: إلا الحمار. فلو قلت: إلا الحمار وحده لكان خطأ.
ج- وقيل: الأمر يحتاج إلى تفصيل، فإن صرح بالخبر جاز لاستقلال الجملة واستغنائها عما قبلها، وإن لم يصرح به - أى الخبر - فلا يجوز لافتقارها.
¥