(4 – 6/ 102 - 103 , وأبو زيد هو قيس بن السكن أحد عمومة أنس رضي الله عنهم. الفتح 6/ 102 - 103).
أما النوع الثاني من جمع القرآن وهو ضم بعضه إلى بعض كتابةً وتدويناً فقد وجد في عهد النبي صلى الله عليه وسلم كذلك, وقد أذن به صلى الله عليه وسلم بقوله " لا تكتبوا عني , ومن كتب عني غير القرآن فليمحه " (رواه مسلم عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه , صحيح مسلم بشرح النووي 18/ 129) , بل كان له عليه الصلاة والسلام كتّاب الوحي ومنهم الخلفاء الأربعة وزيد بن ثابت وأبيّ بن كعب ومعاوية وغيرهم كثير رضي الله عنهم (انظر: جوامع السيرة لابن حزم صـ 26 - 27 , وزاد المعاد لابن القيم 1/ 29) , ووصف هذا الجمع زيد بن ثابت رضي الله عنه بقوله: كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم نؤلف القرآن من الرقاع (رواه الحاكم في المستدرك 2/ 229). فلم تكن أدوات الكتابة متيسرة لهم بل كانوا يكتبون في اللخاف والرقاع والأقتاب والأكتاف وغيرها. وكان على هذه الصورة مفرقاً غير مجموع , وإنما لم يجمع في كتاب واحد على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم لتتابع نزول الوحي منجّماً حسب الأحداث , ولورود النسخ فيه , مما يستلزم تكرار تغييره دائماً مع كل نزول , ولأن الله أمّنَ نبيّه من نسيانه " سنقرئك فلا تنسى , إلا ّما شاء الله " (انظر: المرشد الوجيز لأبي شامة صـ 62, والبرهان 1/ 300 - 301).
وقد كان الاعتماد في هذه المرحلة على الحفظ أكثر من الكتابة لقوة الذاكرة وسرعة الحفظ وقلة الكاتبين ووسائل الكتابة.
فقُبِض النبي صلى الله عليه وسلم والقرآن محفوظ في الصدور, ومكتوب في الصحف , مفرقاً بين الصحابة , مرتب الآيات إجماعاً , قال زيد رضي الله عنه: قبض النبي صلى الله عليه وسلم ولم يكن القرآن جمع في شيء (صحيح البخاري 6/ 58 باب جمع القرآن الكريم).
* الجمع الثاني: في عهد أبي بكر الصدّيق رضي الله عنه:-
- تاريخه: بعد معركة اليمامة في السنة الثانية عشر من الهجرة.
- وسببه: أنه قُتل في معركة اليمامة عدد كبير من القراء منهم سالم مولى أبي حذيفة أحد من أمر النبي صلى الله عليه وسلم بأخذ القرآن منهم , فأمر أبو بكر بجمعه لئلا يضيع , ففي البخاري (4986) أن عمر بن الخطاب أشار على أبي بكر رضي الله عنهما بجمع القرآن بعد وقعة اليمامة, فتوقف , فلم يزل عمر يراجعه حتى شرح الله صدر أبي بكر لذلك فأرسل إلى زيد بن ثابت فأتاه وعنده عمر فقال له أبو بكر: إنك رجل شاب عاقل لا نتهمك وقد كنت تكتب الوحي لرسول الله صلى الله عليه وسلم فتتبع القرآن فاجمعه , قال زيد: فوالله لو كلفوني نقل جبل من الجبال ما كان أثقل عليّ مما أمراني به , قال: فتتبعت القرآن أجمعه من العسب واللخاف وصدور الرجال , فكانت الصحف عند أبي بكر حتى توفاه الله , ثم عند عمر حياته , ثم عند حفصة بنت عمر رضي الله عنهما .. . رواه البخاري مطوّلاً.
وقد وافق المسلمون أبا بكر على ذلك وعدّوه من حسناته حتى قال علي رضي الله عنه: أعظم الناس في المصاحف أجراً أبو بكر , رحمة الله على أبي بكر هو أول من جمع ما بين اللوحين (رواه ابن أبي داود في المصاحف صـ11, وحسّنه الحافظ ابن حجر في الفتح 9/ 12).
وإنما أُختير زيد رضي الله عنه لهذا الأمر في زمن أبي بكر وعثمان؛ لما ذكره أبو بكر عنه من رجاحة عقله, وتمام حفظه, وأنه من كتبة الوحي, ولأنه شهد العرضة الأخيرة للقرآن (شرح السنة للبغوي 4/ 525 – 526 , والبرهان للزركشي 1/ 237 , والإتقان للسيوطي 1/ 118).
وصفة هذا الجمع قائمةٌ على أربعة أسس:
1 – ما كان محفوظاً في صدور الرجال.
2 – ما كُتب بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم.
3 – لا يقبل من صدور الرجال إلا ما تلقوه من فم النبي صلى الله عليه وسلم.
4 – لا يقبل شيء من المكتوب حتى يشهد شاهدان على أنه كُتب بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم.
قال أبو بكر رضي الله عنه لزيد وعمر بن الخطاب: اقعدا على باب المسجد فمن جاءكما بشاهدين على شيء من كتاب الله فاكتباه (المصاحف لابن أبي داود صـ12 , وجمال القراء للسخاوي 1/ 86 , قال ابن حجر: ورجاله ثقات مع انقطاعه. الفتح 9/ 14).
وقام عمر رضي الله عنه في الناس فقال: من كان تلقى من رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئاً من القرآن فليأتنا به (المصاحف لابن أبي داود صـ17).
¥