تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وأما ما ذكره من عادة العرب عند إرادتها نقض العهد عدم كتابتها البسملة فهذا بعيد في كونه العلة في هذا الشأن، ثم عدم قراءة سيدنا علي لها لا يعني عدمها في نفس الأمر، وهذا الأثر أشبه ما يكون بالحكمة منه بالعلة، ولذلك استدرك عليه الزركشي رحمه الله بالحديث السابق عن ابن عباس فقال: (ولكن في صحيح الحاكم أن عثمان ... وذكر الحديثَ)، وكذلك ما ذكره الزركشي عن سيدنا علي رضي الله عنه في أن البسملة أمان وبراءة نزلت بالسيف .. هو حكمة عدم ذكر البسملة لا علتها.وأما كونها كانت تعدل البقرة في طولها فيكفي في رده ذكر الزركشي له بالتضعيف،وكذلك القول في اختلاف كتبة المصاحف في زمن عثمان هل هما سورتان أم كل واحدة سورة، فلو صحّ ذلك لورد إلينا مستفيضاً كما ورد إلينا تحريهم في كتابة قوله تعالى: (لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ) (التوبة:128). [انظر البرهان 1/ 326، 329 و 333].

فبقي معنا قول القشيري أن البسملة لم تكن فيها لأن جبريل عليه السلام ما نزل بها فيها،و هذا القول يؤيده بالمعنى ما نقله السيوطي قال: (وقال مكي وغيره ترتيب الآيات في السور بأمر من النبي ولما لم يأمر بذلك في أول براءة تركت بلا بسملة) الإتقان 1/ 62.

ولعل المسألة تتفرع عن أمرين:

الأول: الخلاف في كون ترتيب سور القرآن توقيفي أم اجتهادي،فجمهور العلماء على الثاني منهم مالك والقاضي أبو بكر في أحد قوليه [الإتقان 1/ 63]، ويميل العبد الفقير لقول البيهقي الذي نقله السيوطي في إتقانه 1/ 64: (قال البيهقي في المدخل كان القرآن على عهد النبي مرتبا سوره وآياته على هذا الترتيب إلا الأنفال وبراءة لحديث عثمان السابق). وهو الذي رجحه السيوطي في الإتقان 1/ 65 قال: (قلت ومما يدل على أنه توقيفي كون الحواميم رتبت ولاء وكذا الطواسين ولم ترتب المسبحات ولاء بل فصل بين سورها وفصل بين طسم الشعراء وطسم القصص بطس مع أنها أقصر منهما ولو كان الترتيب اجتهاديا لذكرت المسبحات ولاء وأخرت طس عن القصص، والذي ينشرح له الصدر ما ذهب إليه البيهقي وهو أن جميع السور ترتيبها توقيفي إلا براءة والأنفال ولا ينبغي أن يستدل بقراءته سورا ولاء على أن ترتيبها كذلك وحينئذ فلا يرد حديث قراءته النساء قبل آل عمران لأن ترتيب السور في القراءة ليس بواجب فلعله فعل ذلك لبيان الجواز).فيكون سيدنا عثمان اجتهد في وضعهما معاً لوجود الشبه بينهما، من باب مراعاة مناسبة الوحدة الموضوعية في القرآن الكريم، لا لأنه يقول بأنهما سورة واحدة والله أعلم.

الأمر الثاني:ترتيب الآيات توقيفي لا شبهة في ذلك والأدلة كثيرة وعليه الإجماع، ولكن هل البسملة آية من الفاتحة ومن كل سورة؟ أكثر العلماء على أنها آية [انظر: التبيان في آداب حملة القرآن للنووي صـ 81،82، والمجموع للنووي أيضاً 3/ 280، 284، ففيه بسط الأدلة بما يغني ويشفي]، ومن أدلتهم على ذلك وجودها في المصاحف مع حرص سيدنا عثمان على نفي ما ليس من القرآن من القرآن، فلما لم يكتب البسملة دل ذلك على أنها لم تنزل مع التوبة بالوحي، فقد أخرج أبو داود (788) والحاكم (1/ 231) وصححه ووافقه الذهبي عن ابن عباس قال: (كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يعرف فصل السور حتى ينزل عليه: بسم الله الرحمن الرحيم.) وفي رواية عند الحاكم (1/ 231) عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا جاءه جبريل فقرأ بسم الله الرحمن الرحيم؛ علم أنها سورة.).

فهذه الأدلة وغيرها بينت أن البسملة لم تسقط اجتهاداً من أحد من الصحابة، ولو كان الأمر كذلك لورد إلينا من طرق القراءات ما يدل عليه، ثم إن إجماع الصحابة قام على ما فعله عثمان رضي الله عنه وفيهم الحفظة ومنهم من نقل عنه القول بأن البسملة آية من كل سورة كعلي بن أبي طالب وأبي هريرة وابن عمر وابن عباس ... .ولا يجوز لهم أن يسكتوا عن إسقاط آية ولم يفعلوا.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير