المرحلة الأولى: النظر في صحة وثبوت الروايات الواردة في سبب النزول فيعتمد الصحيح ويطرح ما سواه. ومثال على ذلك سبب نزول سورة الضحى فقد ورد فيها عدة روايات والصحيح في سبب نزولها ما أخرجه البخاري في صحيحه من حديث جندب بن سفيان رضي الله عنه (رقم 4950).
وأما ماورد من روايات أخرى فهي لاتصح مثال ما اخرجه الطبراني عن حفص بن سعيد القرشي عن أمه عن أمها (المعجم الكبير 24/ 249رقم 636) قال ابن حجر في الفتح بعد إيراده لهذا الحديث وذكر أيضا روايات أخرى في ذلك وعقبها بقوله وكل هذه الروايات لا تثبت (فتح الباري 8/ 710).
المرحلة الثانية: بعد التأكد من صحة الروايات ينظر في صيغة التعبير عن السبب فإما:
أ) أن تكون جميع الروايات غير صحيحة في السببية فلا منافاة إذ المراد التفسير وليس المراد ذكر السبب إلا إن قامت قرينة على واحدة بأن المراد بها السببية.
ب) أن تكون إحدى الروايات صريحة في السببية والأخرى غير صريحة فالمعتمد ما هو صريح فيكون هو السبب وغير الصريح يكون من قبيل التفسير وأنه داخل في حكم الآية.ومثاله سبب نزول (نساؤكم حرث لكم) ورد عن ابن عمر عمر قوله أنزلت في إتيان النساء في أدبارهن وورد عن جابر التصريح بسبب خلافه فالمعتمد رواية جابر (مجموع الفتاوى 13/ 340)
المرحلة الثالثة: إذا كانت الروايات مختلفة وكلها صريحة صحيحة فينظر إلى زمان حدوث تلك الوقائع فإن كانت متقاربة ويمكن نزول الآية عقيب تلك الأسباب فيتحمل الآية على أنها نزلت بعد تلك الأسباب جميعا قال ابن تيمية (وإذا ذكر أحدهم لها سببا نزلت لأجله وذكر الآخر سببا فقد يمكن صدقهما بأن تكون نزلت عقب تلك الأسباب) الفتاوى 13/ 340) قال الشنقيطي (المقرر في علوم القرآن أنه إذا ثبت نزول الآية في شيء معين ثم ثبت بسند آخر صحيح أنها نزلت في شيء معين غير الأول وجب حملها على أنها نزلت فيهما معا فيكون لنزولها سببان) أضواء البيان 6/ 529.
ومثال ذلك سبب نزول قوله تعالى (والذين يرمون أزواجهم) النور 6ـ9 فقد ورد أنها نزلت في هلال بن أمية وورد أنها نزلت في عويمر العجلاني والروايتان صحيحتان وصريحتان في السببية ومختلفتان لذا (جمع بينهما بأن أول ما وقع له ذلك هلال وصادف مجيء عويمر أيضا فنزلت في شأنهما في وقت واحد ... ولا مانع أن تتعدد القصص ويتحد النزول) فتح الباري 8/ 450.
المرحلة الرابعة: إذا لم يمكن الجمع بينهما وذلك لتباعد الزمن فيلجأ إلى القول بتكرار النزول قال ابن تيمية (وإذا ذكر أحدهم لها سببا نزلت لأجله وذكر الآخر سببا ... فقد تكون نزلت مرتين مرة لهذا السبب ومرة لهذا السبب) مجموع الفتاوى 13/ 340.
ومثاله سبب نزول قوله تعالى (ويسألونك عن الروح) فقد ورد عن ابن مسعود (البخاري ح 7297) وورد عن ابن عباس (الترمذي التفسير باب 18 ح 3140) وكلاهما سبببان صحيحان وصريحان لا يمكن الجمع بينهما للبعد الزمني فلا مجال إلا بالقول بأنها نزلت مرة بمكة ومرة نزلت بالمدينة.
قال ابن كثير ( .. وقد يجاب عن هذا بأنه قد تكون نزلت عليه بالمدينة مرة ثانية، كما نزلت عليه بمكة قبل ذلك) تفسيره 3/ 64) وقال ابن حجر (ويمكن الجمع بأن يتعدد النزول) الفتح 1/ 30. أما السيوطي (الإتقان 1/ 91) فإنه يجعل مرحلة قبل المرحلة الرابعة وهي الترجيح بين الروايات ولكن القول بالترجيح بين الروايات الصحيحة الصريحة مرجوح لما فيه من إهدار لبعض الروايات الصحيحة ومن المقرر أن إعمال الدليلين خير من إهمال أحدهما.
قال ابن حجر الفتح8/ 451 (الجمع مع إمكانه أولى من الترجيح).
ولا يحكم بتكرر النزول إلا بعد التدرج في المراحل الثلاث السابقة إذ الأصل عدمه فلا يلجأ إليه إلا اضطرارا جمعا بين الروايات.
وتكرار النزول أمر واقع شرعاً وممكن عقلا بل له فوائد وحكم منها:
1) تعظيم شأن هذا المنزَّل.
2) تذكير الله لعباده بالحكم خوف نسيانه.
3) التأكيد على الحكم السابق وبيان أن الآية داخلة فيه.
4) تنبيه الله لعباده ولفت نظرهم إلى ما في تلك الآيات المكررة من الوصايا النافعة. (البرهان للزركشي 1/ 29ومناهل العرفان 1/ 121) قال السيوطي (أنكر بعضهم كون الشيء من القرآن يتكرر نزوله كذا رأيته في كتاب الكفيل بمعاني التنزيل وعلله بأنه تحصيل ما هو حاصل لافائدة فيه وهو مردود بما تقدم من فوائده) الاتقان 1/ 103,
قال الزركشي (وقد ينزل الشيء مرتين تعظيما لشأنه وتذكيرا به عند حوث سببه خوف نسيانه) البرهان 1/ 29
بهذا يتضح أن تكرار النزول أمر وارد ولكن لايحكم به إلا بعد مراحل ثلاث سابقة.
والقول بتكرار النزول قال به عدد من المحققين كابن تيمية وابن حجر و الزركشي والسيوطي وغيرهم كما سبقت الإشارة إلى شيء من ذلك.
وأما قول القطان (والقول في تكرار النزول وتعدده فيه مقال وفي النفس منه شيء) مباحثص 91 فأقول إن إعتراضه ليس عليه دليل بل الحكمة ظاهرة كما سبق والله أعلم، ورحم الله علماء المسلمين.
¥