ـ[أبومجاهدالعبيدي]ــــــــ[17 Oct 2003, 07:28 ص]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
ذكر محمد بن الحسين الآجري في كتابه الشريعة باباً في النهي عن المراء في القرآن، ومما قاله فيه:
(قال محمد بن الحسين: فإن قال قائل: عرفنا هذا المراء الذي هو كفر، ما هو؟
قيل له: نزل هذا القران على رسول الله صلى الله عليه وسلم على سبعة أحرف، ومعناها: على سبع لغات، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يلقن كل قبيلة من العرب على حسب ما يحتمل من لغتهم، تخفيفاً من الله عز وجل ورحمة بأمة محمد صلى الله عليه وسلم، فكانوا ربما إذا التقوا، يقول بعضهم لبعض: ليس هكذا القرآن، وليس هكذا علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويعيب بعضهم قراءة بعض، فنهوا عن هذا، وقيل لهم: اقرؤوا كما علمتم، ولا يجحد بعضكم قراءة بعض، واحذروا الجدال والمراء فيما قد تعلمتم.
والحجة فيما قلنا:
حدثنا أبو محمد يحيى بن محمد بن صاعد قال: حدثنا أبو هشام محمد بن يزيد الرفاعي قال: حدثنا أبو بكر بن عياش قال: حدئنا عاصم عن زر، عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قلت لرجل: أقرئني من الأحقاف ثلاثين آية، فأقرأني خلاف ما أقرأني رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم، وقلت لآخر أقرئني ثلاثين آية من الأحقاف فأقرأني خلاف ما أقرأني الأول، فأتيت بهما النبي صلى الله عليه وسلم، فغضب، و علي بن أبي طالب رضي الله عنه جالس عنده، فقال علي رضي الله عنه: قال عليه الصلاة والسلام لكم: اقرؤوا كما علمتم.
و حدثنا أيضاً أبو محمد يحيي بن صاعد قال: حدثنا أحمد بن شعبان القطان قال: حدثنا يزيد بن هارون، أخبرنا شريك، عن عاصم، عن زر، عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أنه قال: أقرأني رسول الله صلى الله عليه وسلم سورة، فدخلت المسجد فقلت: أفيكم من قرأ؟ فقال رجل من القوم: أنا، فقرأ السورة التي أقرأنيها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإذا هو يقرأ بخلاف ما أقرأني رسول الله صلى الله عليه وسلم، فانطلقنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أنا والرجل، وإذا عنده علي رضي الله عنه، فقلنا: يا رسول الله، اختلفنا في قراءتنا، فتغير وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال علي رضي الله عنه: ان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إنما هلك من كان قبلكم بالأختلاف، فليقرأ كل رجل منكم ما أقرىء.
و حدثنا إبراهيم بن موسى الجوزقي قال: حدثنا إبراهيم بن يعقوب الدورقي قال: حدثنا عبد الرحمن بن مهدي قال: أخبرنا مالك بن أنس، عن الزهري، عن عروة، عن عبد الرحمن عبد القاري عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: سمعت هشام بن حكيم رضي الله عنه يقرأ سورة الفرقان في الصلاة على خلاف ما أقرؤها، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم أقرأنيها، فأخذت بثوبه، فذهبت به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت: يارسول الله، إني سمعت هذا يقرأ الفرقان على غير ما أقرأتنيها، فقال عليه الصلاة والسلام: اقرأ، فقرأ القراءة التي سمعتها منه، فقال صلوات الله وسلامه عليه: هكذا أنزلت، إن هذا القرآن نزل على سبعة أحرف، فاقرؤوا ما تيسر منه.
قال محمد بن الحسين: فصار المراء في القرآن كفراً بهذا المعنى، يقول هذا: قراءتي أفضل من قراءتك، ويقول الآخر: بل قراءتي أفضل من قراءتك، ويكذب بعضهم بعضاً، فقيل لهم: ليقرأ كل إنسان كما علم، ولا يعب بعضكم قراءة غيره، واتقوا الله، واعملوا بمحكمه، وآمنوا بمتشابهه، واعتبروا بأمثاله، واحلوا حلاله، وحرموا حرامه.
وقد ذكرت في تأليف كتاب المصحف: مصحف عثمان بن عفان رضي الله عنه، الذي اجتمعت علبه الأمة، والصحابة رضي الله عنهم، ومن بعدهم من التابعين، وأئمة المسلمين رحمة الله تعالى عليهم في كل بلد، وقول السبعة الأئمة في القرآن ما فيه كفاية، ولم أحب ترداده هاهنا، وإنما مرادي ههنا ترك الجدال والمراء في القرآن، فإنا قد نهينا عنه، ولا يقول إنسان في القران برأيه، ولا يفسر القرآن إلا بما جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو عن أحد من صحابته رضي الله عنهم، أو عن أحد من التابعين رحمة الله تعالى عليهم، أو عن إمام من أئمة المسلمين، ولا يماري ولا يجادل.
فإن قال قائل: فإنا قد نرى الفقهاء يتناظرون في الفقه، فيقول أحدهم: قال الله عز وجل كذا، وقال النبي صلى الله عليه وسلم كذا وكذا، فهل يكون هذا من المراء؟
قيل: معاذ الله، ليس هذا مراء، ولكن الفقيه ربما ناظره الرجل في مسألة، فيقول له، على جهة البيان والنصيحة: حجتنا فيه: قال الله عز وجل كذا،وقال النبي صلى الله عليه وسلم كذا، على جهة النصيحة والبيان، لا على جهة المماراة، فمن كان هكذا، ولم يرد المغالبة، ولا أن يخطىء خصمه ويستظهر عليه سلم، وقبل إن شاء الله تعالى كما ذكرنا في هذا الباب والذي قبله.
قال الحسن: المؤمن لا يداري ولا يماري، ينشر حكمة الله عز وجل، فإن قبلت حمد الله عز وجل وإن ردت حمد الله عز وجل وعلا.
وبعد هذا فأكره الجدال والمراء ورفع الصوت في المناظرة في الفقه إلا على الوقار والسكينة الحسنة.
وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: تعلموا العلم، وتعلموا للعلم السكينة والحلم، وتواضعوا لمن تتعلمون منه، وليتواضع لكم من تعلمونه، ولا تكونوا جبابرة العلماء، فلا يقوم علمكم بجهلكم.)
¥