المسألة السابعة: يناقش فيها الفخر الرازي تعريف العلم، فيورد تعريف العلم على اقوال بعض العلماء، ثم يناقشها بوجوه، ويورد الخلل في امور عديدة، ويفرع على ذلك وجوه.
وقول آخر: فيه ثلاثة وجوه ايضاً.
وقول ثالث: فيه اربعة وجوه.
الوجه الرابع منه: فيه ثلاثة وجوه.
المسألة الثامنة: فيها ثلاثون فرعاً. بعضها يتفرع الى فروع ثانوية من الوجوه والاقوال.
المسألة التاسعة: خالية من التفريعات.
* * *
ان هذه التقسيمات يلتقي بها القارىء كثيراً في تفسير الرازي، ويحتاج الى التركيز المكثف من اجل الاحاطة بها، ولعل هذا النموذج يعطي صورة تقريبية لصعوبة مشروع اختصار وتهذيب التفسير، لان في بعض التفريعات افكاراً هامة وملاحظات علمية يثيرها الرازي. غير ان وقوعها في تسلسل التقسيم يجعل من انتقائها دون غيرها عملية مشوشة للتقسيم العام مما يربك القارىء.
وفي احيان عديدة يورد الفخر الرازي اسئلة غير متصلة بجو الآية ـ موضوع التفسير ـ. لكن بعض اجاباته تخدم الجو التفسيري للآية. مما يخلق صعوبة في عملية انتقاء الجواب المطلوب لانه يندرج في تسلسل يصعب تجزئته.
وبصورة عامة ان منهج الرازي التفريعي صعب الاختصار، خلافاً للمناهج الاخرى لكتب التفسير او كتب التاريخ التي تتناول عنواناً رئيسياً ثم تبحثه بطريقة سردية او تحليلية او مفاهيمية، بحيث يحتاج صاحب مشروع الاختصار الى مجرد ضغط الافكار وتلخيص العرض المطول لها.
وقد انطلقنا في اختصار تفسير مفاتيح الغيب للامام فخر الدين الرازي من الاسس والدوافع التالية:
1 ـ ان سعة التفسير الكبير وضخامة حجمه جعلت الاستفادة منه في حدود المختصين بالتفسير وعلوم القرآن فقط في حين حُرم جمهور المثقفين من الاستفادة منه بالشكل المطلوب، رغم اهميته وصدارة موقعه في التراث التفسيري. ومن هنا شعرنا بضرورة اختصاره وتقديمه لابناء الامة بشكل يسهل الاستفادة منه والرجوع اليه كتفسير كامل للقرآن الكريم، الى جانب الاعمال التفسيرية الاخرى لعلماء الاسلام.
2 ـ ان منهجية الفخر الرازي في التفصيل والتفريع والاطالة والاستغراق في المناقشات وعرض الموضوعات البعيدة عن جو التفسير، جعلت كتابه يُقيم من قبل العديد من القدماء والمحدثين على انه دائرة معارف قبل ان يكون كتاب تفسير حتى قيل فيه: (فيه كل شيء الا التفسير). ونحن نشعر ان في هذه التقييمات تجني على عمل الرازي، وان كانت بعض هذه التقييمات لها ما يبررها. لذلك رأينا ضرورة ان يحظى عمل الرازي الكبير بجهد علمي جديد من اجل تهذيبه واعادة تقديمه للمكتبة الاسلامية كنتاج تفسيري متخصص. وفي ذلك مساهمة في اعادة احياء نتاج ضخم من التراث الاسلامي.
3 ـ رغم الجهد الكبير الذي بذله الفخر الرازي في عرض الآراء المختلفة لعلماء الاسلام وللمذاهب الاسلامية وللاتجاهات الفكرية، الا اننا نجد انه اهمل ذكر الرأي الشيعي الامامي في الكثير من الموارد، كما انه ذكر رأي الشيعة الامامية في عدد من الموارد بصورة خاطئة، لذلك رأينا ضرورة اضافة الرأي الاسلامي الشيعي كلما كان ذلك مناسباً من خلال كتابة التعليقات في الهامش، وذلك من اجل ان يتكامل هذا التفسير الكبير في تغطية الآراء الاسلامية على اختلاف اصولها الثقافية.
وهنا نود الاشارة الى ان الفخر الرازي لم يكن منغلقاً في حدود الرأي الذي يطرحه، انما فتح باب الحوار والمناقشة مع ما كتبه بل انه اشار بصراحة في وصيته الى امكانية حذف الآراء التي ثبتها في كتبه فيما لو وجد فيها القارىء خطأً وقال ما نصه:
«واما الكتب العلمية التي صنفتها او استكثرت من ايراد السؤالات على المتقدمين فيها فمن نظر في شيء منها فان طابت له تلك السؤالات فليذكرني في صالح دعائه على سبيل التفضل والانعام والا فليحذف القول السيء فاني ما اردت الا تكثير البحث وتشحيذ الخاطر والاعتماد في الكل على الله تعالى».
ان الفخر الرازي في هذا النص يفسح المجال للاجيال لتهذيب تراثه وهي دعوة موضوعية صريحة لمراجعة افكاره وآرائه في مختلف المجالات العلمية التي صنف بها.
وهذا ما قمنا به في تفسيره الكبير، حيث نشعر اننا قدمنا خدمة لهذه الموسوعة الشهيرة في التفسير.
وهو عمل ينسجم مع وصيته في تهذيب تراثه وحذف الاقوال الغريبة عن دائرة التفسير وسياقه العام.
¥