تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وإذا رجعت إلى ما رُوي عن السلف الكرام (الصحابة والتابعين وأتباعهم) واستقرأته، فإنك ستجده في أغلبه يُعنى ببيان المعاني المرادة بالتنْزيل، ولا تجد كثرة الاستطرادات التي ظهرت عند المتأخرين من علماء التفسير.

وهذا أصل تنطلق منه لتحديد مفهوم التفسير، فضلاً عن الأصل اللغوي للكلمة، وهو مأخوذ من مادة (فسر) التي تدل على كشف وإيضاح وبيان.

ثانيًا: الاستنباط:

الاستنباط استخراج ما كان خفيًّا، ليظهر للعيان، ومنه استنباط الماء؛ أي: إخراجه من باطن الأرض.

والاستنباط خلاف التفسير، وبينهما مغايرة ظاهرة، لكن قد تخفى هذه المغاير بسبب وجود الاستنباطات في كتب المفسرين، وبسبب قرب بعض الاستنباطات من الذهن، فيحسبها الناظر لها من التفسير، والحقيقة أنها مما يأتي بعد التفسير، فالتفسير شيء، والاستنباط شيء آخر.

وقد أشار السيوطي (ت: 911) إلى هذا في مؤلفه الممتع النفيس (الإكليل في استنباط التنْزيل (1: 282) تحقيق: د/ عامر العربي)، فقال:» ... فعزمت على وضع كتاب في ذلك، مهذب المقاصد، محرر المسالك، أُوِرد فيه كل ما يستنبط منه، أو استدل عليه به على مسألة فقهية أو أصلية أو اعتقادية، وبعضًا مما سوى ذلك، مقرونًا بتفسير الآية حيث توقف فهم الاستنباط عليه، معزوًّا إلى قائله من الصحابة والتابعين، مخرجًا منن كتاب ناقله من الأئمة المعتبرين ... «.

فتراه هنا فرَّق بين الاستنباط والتفسير، وجعل الاستنباط قد يتوقف على التفسير، وهذا صحيح؛ لأنَّ الاستنباط قد يكون من نصٍّ ظاهرٍ يغني تنْزيله عن تأويله، وقد يكون من نصٍّ يحتاج إلى تفسير، فلا يكون الاستنباط إلا بعد فهم المعنى.

ولا أحسب أن من تأمل الفرق بين التفسير والاستنباط يخفى عليه ما بينهما من التغاير في المادة العلمية، لكن لا يُفهم هنا أن الاستنباط غير مراد في كتب التفسير؛ كلاَّ، لكن الأمر هنا بيان مصطلحات، وذكر فروق بين متشابهات.

ثالثًا: صور الاستنباط:

سبقت الإشارة إلى أنَّ الاستنباط قد يكون من ظاهر تُغني تلاوته عن تفسيره لأنه لا حاجة له إلى أن يُفسَّر لظهوره ووضوحه، وأنَّه قد يكون الاستنباط من كلام يحتاج إلى تفسير، ثمَّ يأتي الاستنباط بعد ذلك.

وفي كلا الأمرين، فإنَّ أول ما يُنظر فيه في الأمر المستنبَطِ، والفائدة المعلَّقة بالآية؛ ينظر في صحة الفائدة أو الأمر المستنبط في ذاته، هل هو صحيح معتبر في الشرع، أو لا؟

فإذا كان المعنى المستنبط صحيحًا في ذاته، لا يخالف الشريعة، فإنه ينظر بعدَ ذلك إلى صحة ارتباطه بالآية، وصحة دلالتها عليه، إذ ليس كل استنباط مذكور ولا فوائد مرتبة على الآيات يكون صحيحًا من جهة دلالة الآية عليه.

أما ما يكون الاستنباط فيه بعد فهم المعنى (أي: التفسير) فإنه يزيد أمرًا، وهو صحةُ التفسير؛ لأنَّ التفسير إذا كان خطأً أو باطلاً، فإن ما يُستنبط منه، وما يرتب عليه من الفوائد سيكون خطأً محضًا، أو باطلاً صرفًا، على حسب التفسير المذكور.

ويمكن القول إن ضوابط الاستنباط الصحيح:

1 ـ أن يكون المعنى المستنَبطِ صحيحًا في ذاته، فلا يخالف أمرًا مقررًا في الشريعة؛ لأنه سيعتبر مردودًا.

2 ـ أن تكون الدلالة عليه صحيحة معتبرة، سواءً أكانت الدلالة على الوجه المستنبط ظاهرة، أم كانت خفية، ويدخل فيها أي نوع من أنواع الدلالات المعروفة عند الأصوليين؛ كدلالة الاقتضاء والإشارة والإيماء وغيرها من الدلالات التي تستخدم في الاستنباط.

3 ـ أن يكون التفسير المستنبط منه صحيحًا، فإن كان ضعيفًا أو باطلاً، فإن نتيجة الاستنباط ستنعكس عليه، وما بُني على باطل، فهو باطل.

رابعًا: أمثلة من الاستنباطات من كتاب (الإكليل في استنباط التنْزيل، للسيوطي)

1 ـ ذكر السيوطي (1: 295) عن الكرماني في قوله تعالى: (الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشاً) (البقرة: 22)، قال:» واستدل أكثر المفسرين بالآية على أن شكل الأرض بسيطة، وليس بكروي «. (ينظر: غرائب التفسير وعجائب التأويل (1: 125)).

وهذا الاستنباط فيه نظر؛ لأنَّ المعلومة المستنبطة بذاتها فيها خطأ، مع التحفظ أيضًا على قوله:» أكثر المفسرين «.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير