وهذا الصيد الذي أقدمه لكم من نفائس الوزير الحنبلي ابن هبيرة (ت: 560)، وهي تدلُّ على فكر ثاقب، ونظر عميق، وتدبر في كتاب الله، وسعة اطلاعٍ في العلم، وسأرتبها مرقمة، وسأحذف مما ذكره المصدر ما لا علاقة له بالآيات، وهو صالح لأن يخرج في كراسٍ صغير مع التعليق عليه، وموازنته بما ذكره غيره من العلماء في الآيات التي أظهر فيها فوائد والله الموفق.
قال ابن رجب في ذيل الطبقات 1/ 264
قال ابن الجوزي في المقتبس:
(1) سمعت الوزير يقول: الآيات اللواتي في الأنعام (قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ) [الأنعام: من الآية151] محكمات، وقد اتفقت عليها الشرائع، وإنما قال في الآية الأولى: (لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ) [البقرة: من الآية73] في الثانية: (لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) [الأنعام: من الآية152] وفي الثالثة: (لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) [البقرة: من الآية21]؛ لأن كل آية يليق بها ذلك، فإنه قال في الأولى: (أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً) [الأنعام: من الآية151] والعقل يشهد أن الخالق لا شريك له، ويدعوا العقل إلى بر الوالدين، ونهى عن قتل الولد، وإتيان الفواحش؛ لأن الإنسان يغار من الفاحشة على ابنته وأخته، فكذلك هو، ينبغي أن يجتنبها، وكذلك قتل النفس، فلما لاقتت هذه الأمور بالعقل، قال: (لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ) ولما قال في الآية الثانية: (وَلا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ) [الأنعام: من الآية152] والمعنى: أذكر لو هلكت فصار ولدك يتيماً، واذكر عند ورثتك، لو كنت الموروث له، واذكر كيف تحب العدل لك في القول؟ فاعدل في حق غيرك، وكما لا تؤثر أن يخان عهدك فلا تخن، فلاق بهذه الأشياء التذكر، فقال: (لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) [الأنعام: من الآية152] وقال في الثالثة: (وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ) [الأنعام: من الآية153]، فلاق بذلك اتقاء الزلل، فلذلك قال: (لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) [البقرة: من الآية21].
(2) قال: وسمعته يقول في قوله تعالى: (فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ) [صّ: من الآية80] قال: ليس هذا بإجابة سؤاله، وإنما سأل الانتظار، فقيل له: كذا قدر، لا أنه جواب سؤالك، لكنه مما فهم.
(3) وسمعته يقول في قوله تعالى: (قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا) [التوبة: من الآية51] قال: إنما لم يقل: ما كتب علينا؛ لأنه أمر يتعلق بالمؤمن، ولا يصيب المؤمن شيء إلا وهو له، إن كان خيراً فهو له في العاجل، وإن كان شراً فهو ثواب له في الآجل.
(4) وسمعته يقول في قوله تعالى: (حِجَاباً مَسْتُوراً) [الاسراء: من الآية45] قال أهل التفسير: يقولون: ساتراً، والصواب: حمله على ظاهره، وأن يكون الحجاب مستوراً عن العيون فلا يرى، وذلك أبلغ.
(5) وسمعته يقول في قوله تعالى: (وَلَوْلا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَاءَ اللَّهُ) [الكهف: من الآية39] قال: ما قال: ما شاء الله كان ولا يكون، بل أطلق اللفظ؛ ليعم الماضي والمستقبل والراهن.
(6) قال: وتدبرت قوله تعالى: (لا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ) [الكهف: من الآية39] فرأيت لها ثلاثة أوجه.
أحدها: أن قائلها يتبرأ من حوله وقوته، ويسلم الأمر إلى مالكه.
والثاني: أنه يعلم أن لا قوة للمخلوقين إلا بالله، فلا يخاف منهم؛ إذ قواهم لا تكون إلا بالله، وذلك يوجب الخوف من الله وحده.
والثالث: أنه رد على الفلاسفة والطبائعيين الذين يدعون القوى في الأشياء بطبيعتها، فإن هذه الكلمة بينت أن القوىّ لا يكون إلاَّ بالله.
(7) وسمعته يقول في قوله تعالى: (فَمَا اسْطَاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْباً) [الكهف:97] قال (التاء) من حروف الشدة، تقول في الشيء القريب الأمر: ما استطعته، وفي الشديد: ما استطعته، فالمعنى: ما أطاقوا ظهوره لضعفهم، وما قدروا على نقله لقوته وشدته.
¥