وأفرده الأمير الصنعاني محمد بن ا سماعيل [ت1181] بمؤلف سماه "مفاتيح (مفتاح) الرضوان في تفسير الذكر بالآثار والقرآن"، وهو مخطوط. ثم جاء الإمام محمد الأمين الشنقيطي [ت1393] فكتب فيه تفسيره العظيم:"أضواء البيان في تفسير القرآن بالقرآن".ويعد خير كتاب ألف فيه إلى اليوم زيّنه بمقدمة متينة في "أنواع بيان القرآن بالقرآن".
وتفسير القرآن بالقرآن نوعان:
الأول: صريح قطعي: وهو أن يكون سياق الآية واضحا في الدلالة على التفسير. ومن أمثلته: قوله تعالى:"ويلٌ للمُطَفِّفين" ثم بين المراد بهم بقوله"الذينَ إِذا اكْتالُوا عَلى النّاسِ يَستوفُون - وَإذا كَالُوهُم أو وَزنُوهُم يُخسِرُون"، وقوله تعالى:" ألا إِنّ أولِياءَ اللهِ لا خَوفٌ عَليهِم وَلا هُم يحزَنونْ" ثم بين المراد بهم بقوله:"الذين آمنُوا وكَانُوا يَتقُون".
وهذا النوع يجب قبوله والأخذ به ولايجوز العدول عنه.
الثاني: اجتهادي ظني: وهو أن يجتهد المفسر في بيان آية بأخرى يرى أنها موضحة لها دون أن يكون في النص مايقطع المراد.
ومن أمثلته: قوله تعالى:"والنّجمُ والشّجرُ يَسجُدَان". حيث قال جماعة: النجم مالا ساق له من النبات بخلاف الشجر، ودليل هذا التفسير اقترانه بالشجر، وقال آخرون: بل المراد النجم المعروف في السماء لأنه الغالب في الاستعمال، ولورود مايدل على ذلك في القرآن حيث قرن الله بين النجوم والشجر في قوله تعالى:"ألم ترَ أنَّ الله يَسجُدُ لَه مَن فِي السّماوَاتِ وَمَن فِي الأرضِ والشّمسُ والقَمرُ والنّجُومُ والجِبَالُ والشّجرُ والدَّوابُّ وكَثيرٌ مِن النَّاسِ وكَثيرٌ حَق عَلَيهِ العَذَاب…الآية".
ومنه قوله تعالى:"ثلاثةَ قُرُوء" حيث فسره بعضهم بالحيض، وفسره آخرون بالطهر لقوله تعالى:"فطَلّقُوهُنّ لِعِدَّتهِن" فاللام للتوقيت ووقت الطلاق المأمور به في الآية الطهر لا الحيض.
وهذا النوع يختلف الحكم فيه باختلاف قوة الاجتهاد وقربه من الصواب، ومقابلته بالأقوال الأخرى.
أنواع بيان القرآن للقرآن:
ألوان بيان القرآن للقرآن كثيرة من أهمها مايلي:
1 - بيان الإجمال الواقع بسبب اشتراك في اسم أو فعل أو حرف.
المشترك: هو اللفظ الدال على أكثر من معنى.
فمثال الأول: (الاشتراك في اسم) قوله تعالى:"وليطوفوا بالبيت العتيق". فالعتيق يطلق بالاشتراك على: القديم، وعلى المعتق من الجبارة، وعلى الكريم. ويدل للأول قوله تعالى:" إِنَّ أوَّلَ بيتٍ وُضِعَ للنّاسِ لَلذِي بِبَكّةَ مُبارَكاً".
ومثال الثاني: (الاشتراك في فعل) قوله تعالى:" ثمَّ الذِينَ كفَرُوا بِرَبهِم يَعدِلُون" فعدل تأتي بمعنى (سوّى) وتأتي بمعنى: (مال وصدّ) ويدل للأول قوله تعالى:"تاللهِ إن كُنَّا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ- إِذ نُسَويكُم بِرَبّ العَالمَين "،وقوله تعالى:"وَمِن النّاسِ مَن يتّخِذُ مِن دُونِ اللهِ أندَاداً يحِبَّونَهُم كَحُبّ الله".
ومثال الثالث: (الاشتراك في حرف) قوله تعالى:"خَتمَ اللهُ عَلَى قلُوبِهِم وَعلَى سَمعِهم وَعلَى أبْصَارِهِم غِشَاوَة" فإن الواو في قوله: (وَعلَى أبْصَارهِم) محتملة للاستئناف وللعطف وقد بينت آية الجاثية أنها للاستئناف وهي قوله تعالى:"أفَرأيتَ مَنْ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ وَأضَلَّهُ الله عَلَى عِلمٍ وَخَتمَ عَلَى سَمعِهِ وَقَلبِهِ وَجَعَل عَلَى بَصرِه غِشَاوَة".
وكقوله:" فَامْسَحُوا بوجُوهِكُم وَأيدِيكُم مِنْه". فقيل (من) للتبعيض، ولذا اشترطوا صعيدا له غبار يعلق باليد، وقيل: هي لابتداء الغاية ولذا لم يشترطوا ماله غبار بل يجوز التيمم على الرمل والحجارة، وهذا أنسب لما بعده وهو قوله"مَا يُرِيدُ الله لِيَجعَلَ عَليكُم مِن حَرَج". أي: أيّ حرج. والتكليف بما له غبار فيه نوع من الحرج، لأن كثيرا من بلاد الله لايوجد فيها إلا الجبال والرمال.
2 - بيان الإجمال الواقع بسبب إبهام في اسم جنس جمعا كان أو مفردا أو اسم جمع أو صلة موصول أو معنى حرف:
مثال الأول: (اسم الجنس الجمعي-وهو الذي يفرق بينه وبين مفرده بالتاء-) قوله تعالى:"فَتلقَّى آدمُ مِن رَبهِ كَلِمَاتٍ فَتابَ عَلَيه "فأبهم الكلمات وذكرها في قوله"قَالا رَبنَا ظَلمنَا أنفُسَنَا وَإِن َلم تغفِر لَنَا وَترحَمنا لَنكُو نَنّ مِن الخَاسِرِين".
¥