ثم يتساءل الشيخ رحمه الله: هل في القرآن ما يدلُّ على أن الذرية تطلق على الأصول؟
فيجيب بقوله تعالى: (وآية لهم أنا حملنا ذريتهم في الفلك المشحون) (يس: 41).
فإن الذين حُمِلوا من الذرية هم الذين آمنوا مع نوح وهم سابقون، أي أصول).
والشيخ رحمه الله بإيجازه هذا غير المخل، وتساؤله الذي جاء عرضاً قد أجاب عن إشكال استوقف كثيراً من المفسرين، ومن آخرهم شيخه عبد الرحمن السعدي (ت: 1376هـ)؛ حيث قال في تفسيره عند هذه الآية: (وهذه الآية من أشكل المواضع عليَّ في التفسير) [4].
وأما اللفتات البلاغية فلم يخلُ تفسير الشيخ رحمه الله من وقفات عندها، ومن ذلك عند تفسيره قول الله تعالى: (زين للناس حب الشهوات من النساء والبنين) (آل عمران: 14)
أشار الشيخ إلى قوة التعبير القرآني؛ حيث سلط الحب على الشهوات لا على هذه الأشياء؛ (لأن هذه الأشياء حبُّها قد يكون محموداً) إذا لم يكن سبباً لصده عن دين الله.
وفي قوله تعالى: (وأزواج مطهرة) (آل عمران: 15)، يشير الشيخ إلى نكتة العموم في إطلاق (مطهرة) لتشمل التطهير الحسيَّ والمعنويَّ معتمداً على قاعدة: أن حذف المعمول يُؤْذن بعموم العامل. قال الشيخ: (ولهذا أمثلة كثيرة مثلاً قوله تعالى: (ألم يجدك يتيماً فآوى * ووجدك يتيماً فآوى* ووجدك ضآلاً فهدى* ووجدك عائلاً فأغنى) (الضحى: 6 - 8)، فالرسول صلى الله عليه وسلم وجده ربُّه يتيماً فآواه، وآوى به حتى جعله فئة لكل مؤمن، ضالاً فهداه وهدى به، عائلاً فأغناه وأغنى به).
سادساً: استنباط الفوائد:
تُشكِّل الفوائد في درس التفسير جزءاً لا يغفل في منهج الشيخ، وتأتي أهمية الفوائد من حيث إفرادها في الكلام بمبحث الفوائد عقب آية أو آيات يتم الشيخ تفسيرها والكلام عليها، ومن ناحية أخرى توسُّع الشيخ فيما يذكره تحت هذا المبحث؛ فهو لا يقتصر على الفوائد المباشرة في الآية؛ إذ يذكر الفائدة ثم يتبعها بما قد يتفرع أو يُشْكل عليها ويجيب عنه.
فعند قوله تعالى: (وترزق من تشاء بغير حساب) (آل عمران: 27) يقول الشيخ رحمه الله: (ومن فوائد الآية الكريمة أن الرزق بيد الله لقوله تعالى: (وترزق من تشاء) (آل عمران: 27) ويترتب على هذا أنه ينبغي للعاقل فضلاً عن المؤمن أن لا يطلب الرزق من أيدي الناس، وإنما يطلبه من الله عز وجل، ولهذا جاءت النصوص بفضيلة العفة).
وعند قوله تعالى عن امرأة عمران: (وإني سميتها مريم) (آل عمران: 36). يذكر الشيخ رحمه الله من فوائد الآية تسمية المولود حين يولد، ثم يقول: (وهذا هو السنة: أن يُسَمَّى الإنسان حين يولد إلا إذا لم يتهيأ الاسم فإنه يسمى في اليوم السابع، وبهذا تجتمع الأدلة؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم لما وُلِد إبراهيم، قال: (وُلِد لي الليلة غلام، فسميته باسم أبي إبراهيم) [5] وفي حديث العقيقة قال: (تذبح يوم سابعه، ويحلق ويسمى .. )) [6].
والفوائد مجال رحب عند الشيخ رحمه الله لتقرير العقيدة السليمة، وتصحيح الأخطاء العقدية بشيء من الاستطراد والبسط؛ فعند قوله تعالى: (لن تمسنا النار إلا أياماً معدودات) (آل عمران: 24).
يقول الشيخ رحمه الله: (ومن فوائد هذه الآية الكريمة أن هؤلاء يؤمنون بالبعث؛ لقولهم: (لن تمسنا النار إلا أياماً معدودات) (آل عمران: 24)، ويتفرع على هذا أنه لا يكفي في الإيمان أن يؤمن الإنسان بالله وباليوم الآخر دون أن يستلزم هذا الإيمان قبولاً، وإذعاناً؛ فإن مجرد التصديق لا يعتبر إيماناً؛ إذ لا بد من القبول والإذعان، ولهذا أدلة).
وفي تفسير قوله تعالى: (والله سميع عليم) (آل عمران: 34). يقول الشيخ رحمه الله: (ومن فوائد الآية الكريمة إثبات اسمين من أسماء الله، وهما (السميع والعليم)، فالسميع يتعلقُ بالأصوات، والعليمُ يتعلق بكل شيء بالأصوات، والأحوال، والأعيان). ثم يستطرد الشيخ في تقسيم أسماء الله إلى متعدية ولازمة، وما يتضمنه كل نوع من الدلالة، ثم يستطرد مرة ثانية إلى الفرق بين دلالة التضمن والاستلزام وتطبيق ذلك على اسم (الخالق، والرحمن، والحي).
¥