والقرآن الكريم حمل معه وقت نزوله معجزات .. تدل على صدق البلاغ عن الله سبحانه وتعالى، وعلى صدق رسالة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكانت أول معجزة أن القرآن كلام الله .. فيه من عطاء الله ما تحبه النفس البشرية ويستميلها.
إنه يخاطب ملكات خفية في النفس لا نعرفها نحن ولكن يعرفها الله سبحانه وتعالى خالق الإنسان وهو أعلم به .. هذه الملكات تنفعل حين تسمع القرآن الكريم فتلين القلوب ويدخل الإيمان إليها .. ولقد تنبه الكفار إلى تأثير القرآن الكريم في النفس البشرية تأثيرًا لا يستطيع أن يفسره أحد .. ولكنه يجذب النفس إلى طريق الإيمان ويدخل الرحمة في القلوب.
لذلك كان أئمة الكفر يخافون أكثر ما يخافون. من سماع الكفار للقرآن الكريم .. ويحاولون منع ذلك بأي وسيلة .. ويعتدون على من يتلو القرآن الكريم .. ولو أن هذا القرآن الكريم لم يكن كلام الله سبحانه وتعالى الذي وضع فيه من الأسرار ما يخاطب ملكات خفية في النفس البشرية .. ما اهتم أئمة الكفر بأن يستمع أحد للقرآن الكريم أو لا يستمع .. ولكن شعورهم بما يفعله كلام الله .. جعلهم لا يمنعون سماع القرآن الكريم فقط .. بل قالوا كما يروي لنا القرآن الكريم: (وقال الذين كفروا لا تسمعوا لهذا القرآن والغوا فيه لعلكم تغلبون) (فصلت/26).
وهكذا نعرف أنه حتى أهل الكفر كانوا لا يمنعون سماع القرآن الكريم فقط .. بل يطلبون من أنصارهم أن يلغوا فيه، ومعناها (يشوشرون عليه) .. ولا يمكن أن يكون هذا هو مسلكهم وتلك هي طريقتهم إلا خوفًا مما يفعله القرآن الكريم في كسب النفس البشرية إلى الإيمان .. إن مجرد تلاوته تجذب النفس الكافرة إلى منهج الله.
ولو نأخذ مثلاً قصة إسلام عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ نجد أنه علم أن أخته فاطمة وزوجها ابن عمه سعيد بن زيد قد أسلما .. فأسرع إليهما ليبطش بهما وحاول أن يفتك بسعيد بن زيد .. فلما تدخلت زوجته فاطمة لحمايته .. ضربها حتى سال منها الدم .. وعندما رأى عمر الدم يسيل من وجه أخته فاطمة .. رق قلبه وحدث في قلبه انفعال بالرحمة بدلاً من انفعال الإيذاء .. فخرج العناد من قلبه وملأه الصفاء .. فطلب من أخته صحيفة القرآن التي كانا يقرآن منها .. وقرأ من أول سورة " طه "، ثم قال: ما أحسن هذا الكلام وأكرمه .. ثم أسرع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلن إسلامه .. ولذلك فإنه إذا خرج العناد والكفر من القلب .. واستمع الإنسان بصفاء إلى القرآن الكريم دخل الإيمان إلى قلبه.
لقد سمع عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ القرآن الكريم قبل ذلك ولم يسلم .. ولكنه عندما رأى الدم يسيل على وجه أخته وتبدل انفعال الإيذاء في قلبه بانفعال الرحمة .. استقبل القرآن الكريم بنفس صافية فامتلأ قلبه بالإيمان وأسرع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلن إسلامه.
ولذلك كان الكفار يحاولون إهاجة مشاعر الكفر في القلوب حتى لا يدخلها القرآن الكريم .. لأنه لكي تستقبل الإيمان يجب أن تخلص قلبك من الكفر أولاً.
وهكذا نرى أن القرآن الكريم لأنه كلام الله المثمر .. فإن له تأثيرًا خاصًا في النفس البشرية .. حتى إن الكفار كانوا يسترقون سماع القرآن من وراء بعضهم البعض .. وكانوا يقولون: إن له لحلاوة، وإن عليه لطلاوة، وإن أعلاه لمثر، وإن أسفله لمغدق، وإنه يعلو ولا يعلى عليه، وكان هذا أول إعجاز لأن القرآن الكريم هو كلام الله تبارك وتعالى.
ولقد وقف الصحابة والمؤمنون الذين عاصروا رسول الله صلى الله عليه وسلم عند عطاء القرآن الكريم وقت نزوله فيما استطاعت عقولهم أن تطيقه من أسرار الكون ومن أسرار القرآن الكريم .. فلم نجد صحابيًا سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن معنى آيات الكون في القرآن الكريم .. أو عن عطاءات القرآن في اللغة .. فمثلاً لم يسأل أحد عن معنى " ألم " .. أو " عسق " .. أو " حم " .. مع أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يستقبل كثيرين يؤمنون بكتاب الله .. وكثيرين يكفرون بما أنزل الله .. وكان هؤلاء الكفار يريدون أن يقيموا الحجة ضد رسول الله صلى الله عليه وسلم وضد القرآن الكريم .. لم نسمع أن أحدًا منهم .. وهم قوم بلغاء فصحاء عندهم اللغة ملكة وموهبة وليست صناعة .. لم نسمع أحدًا من الكفار قال ماذا تعني " ألم " .. أو " حم " أو " عسق ".
¥