تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

كيف يمر الكافر على فواتح السور هذه ولا يجد فيها ما يستطيع أن يواجه به رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ويجادله، لقد كانت هذه هي فرصتهم في المجادلة .. ولا شك أن عدم استخدام الكفار لفواتح السور هذه .. دليل على أنهم انفعلوا بها وإن لم يؤمنوا بها .. ولم يجدوا فيها ما يمكن أن يستخدموه لهدم القرآن الكريم أو التشكيك فيه .. ولو أن هذه الحروف في فواتح السور كانت تخدم هدفهم .. لقالوا للناس وجاهروا بذلك.

رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وهو الذي عليه القرآن الكريم نزل، فسر وبين كل ما يتعلق بالتكليف الإيماني .. وترك ما يتعلق بغير التكليف للأجيال القادمة .. ويمر الزمن ويتيح الله سبحانه وتعالى لعباده من أسرار آياته سبحانه وتعالى في الأرض ما يشاء .. فيكون عطاء القرآن الكريم متساويًا مع قدرة العقول .. لماذا؟ لأن الرسالات التي سبقت الإسلام كانت محدودة الزمان والمكان .. أما القرآن الكريم فزمنه حتى يوم القيامة .. ولذلك فلابد أن يقدم إعجازًا لكل جيل .. ليظل القرآن الكريم معجزة في كل عصر.

والقرآن الكريم نزل يتحدى العرب في اللغة والبلاغة .. ولكن لأنه دين للناس جميعًا .. فلابد أن يتحدى غير العرب فيما نبغوا فيه .. ولذلك نزل متحديًا لغير العرب وقت نزوله .. فقد حدثت حرب بين الروم والفرس وقت نزول القرآن الكريم .. وكانت الروم والفرس تمثلان في عصرنا الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفيتي .. كانتا أعظم وأقوى دولتين في ذلك العصر .. وحدثت الحرب بينهما وانهزم الروم .. وإذا بالقرآن الكريم ينزل بقوله تعالى: (ألم * غلبت الروم * في أدنى الأرض وهم من بعد غلبهم سيغلبون * في بضع سنين لله الأمر من قبل ومن بعد ويومئذٍ يفرح المؤمنون) (الروم/1ـ4).

لو أن هذا القرآن الكريم من عند رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فما الذي يجعله يدخل في قضية كهذه ـ صلى الله عليه وسلم ـ .. لم يطلب أحد منه ـ صلى الله عليه وسلم ـ أن يدخل فيها .. وكيف يغامر رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ في كلام متعبد بتلاوته إلى يوم القيامة لا يتغير ولا يتبدل، بإعلان نتيجة معركة ستحدث بعد سنين .. وماذا كان يمكن أن يحدث لقضية الدين كله لو أن الحرب حدثت وانتصر الفرس مرة أخرى .. أو أن الحرب لم تحدث وتوصل الطرفان إلى صلح .. إنها كانت ستضيع قضية الدين كله .. ولكن لأن الله سبحانه وتعالى هو القائل وهو الفاعل .. جاءت هذه الآية كمعجزة لغير العرب وقت نزول القرآن الكريم .. وحدثت المعركة فعلاً وانتصر فيها الروم كما أخبر القرآن الكريم.

ولكن القرآن الكريم لم ينزل معجزة لفترة محدودة .. بل هو معجزة حتى قيام الساعة .. والقرآن الكريم هو كلام الله سبحانه وتعالى، والكون هو خلق الله سبحانه وتعالى .. ولذلك جاء القرآن الكريم يعطي إعجازًا لكل جيل فيما نبغوا فيه .. فإذا أخذنا العلوم الحديثة التي اكتشفت في القرن العشرين وأصبحت حقائق علمية .. نجد أن القرآن الكريم قد أشار إليها بإعجاز مذهل .. بحيث أن اللفظ لا يتصادم مع العقول وقت نزول القرآن الكريم .. ولا يتصادم معها بعد تقدم العلم واكتشاف آيات الله سبحانه وتعالى في الأرض .. ولا يقدر على هذا الإعجاز المذهل إلا الله سبحانه وتعالى .. اقرأ مثلاً قول الحق تبارك وتعالى: (والأرض مددناها وألقينا فيها رواسي وأنبتنا فيها من كل زوجٍ بهيج) (ق/7).

والمد معناه البسط .. وعندما نزل القرآن الكريم بقوله تعالى: (والأرض مددناها) .. لم يكن هذا يمثل مشكلة للعقول التي عاصرها نزول القرآن الكريم، فالناس ترى أن الأرض ممدودة .. والقرآن الكريم يقول: (والأرض مددناها) .. وتقدم العلم وعرف الناس أن الأرض كروية .. وانطلق الإنسان إلى الفضاء ورأى الأرض على هيئة كرة .. هنا أحست بعض العقول بأن هناك تصادمات بين القرآن الكريم والعلم .. نقول لهم أقال الله سبحانه وتعالى أي أرض تلك المبسوطة أو الممدودة؟ لم يقل سبحانه وتعالى، ولكنه قال سبحانه وتعالى الأرض على إطلاقها .. أي كل مكان على الأرض ترى فيه الأرض أمامك مبسوطة.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير