فالمتقدمون - من الصحابة والتابعين - لهم اصطلاح خاص في مسألة النسخ، فمفهوم النسخ عندهم أعم من مفهومه عند الأصوليين والفقهاء والمحدثين، وما استقر عليه الأمر بعد ذلك في هذا المصطلح، فلم يكن النسخ عندهم مُمَيَّزاً عن غيره من أساليب البيان، فقد كانوا يطلقون النسخ على تخصيص العام، وتقييد المطلق، وتبيين المجمل، وإيضاح المبهم، ونحو ذلك، كما كانوا يطلقونه على النسخ بمعناه المعروف عند الأصوليين بعد تحديد المصطلحات العلمية.
وقد بيّن هذا وقرره كثيرٌ من المحققين كشيخ الإسلام ابن تيمية (8) وتلميذه ابن القيم (9) والإمام الشاطبي في كتابه الموافقات (10).
وأمَّا معنى النسخ في اصطلاح المتأخرين من الأصوليين والفقهاء والمحدثين وأهل علوم القرآن - فقد اختلفت عباراتهم في تحديد معناه بعد أن اتفقوا على أنه يختلف عن أساليب البيان الأخرى من تخصيص، واستثناء، وتقييد، وتبيين، وإيضاح ونحوها.
ولعل من أفضل التعاريف التي تبين معنى النسخ في اصطلاح المتأخرين مع سهولته ووضوحه وشموله = ما ذكره فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله في كتابه {الأصول من علم الأصول}؛ حيث قال في تعريف النسخ في الاصطلاح: (رفع حكم دليل شرعي أو لفظه بدليل من الكتاب والسنة) (11).
(فهذا التعريف مع كونه مختصراً، فهو جامع مانع، سالم من المآخذ والاعتراضات الواردة على غيره.
فقوله: {رفع حكم} تعريف للنسخ على أنه فعل الشارع، خلافاً للذين عرفوه بأنه الخطاب، أو اللفظ، أو الطريق، فهؤلاء عرفوا النسخ بدليله، وتقييد الحكم بأنه {حكم دليل شرعي} مخرج لرفع حكم البراءة الأصلية، فلايسمى نسخاً.
وقوله: {أو لفظه} جيء به ليشمل التعريفُ نسخ لفظ التلاوة؛ لأن النسخ إمَّا أن يكون للحكم أو للفظ أولهما معاً.
وقوله: {بدليل} يخرج رفع الحكم بالموت والجنون ونحوهما، وتقييد الدليل بكونه من الكتاب والسنة؛ ليخرج ما عداهما من الأدلة كالإجماع والقياس فلاينسخ بهما) (12).
فائدة: هذه بعض المؤلفات في موضوع النسخ في القرآن الكريم:
من الكتب المطبوعة المصنفة قديماً في الناسخ والمنسوخ:
1 - الناسخ والمنسوخ في القرآن، لأبي عبيد القاسم بن سلام (ت 224 هـ).
2 - الناسخ والمنسوخ في القرآن، لأبي جعفر النحاس (ت 328 هـ).
3 - الإيضاح لناسخ القرآن ومنسوخه، لمكي بن أبي طالب (ت 407 هـ).
4 - الناسخ والمنسوخ، لأبي منصور عبدالقاهر البغدادي (ت 429 هـ).
5 - الناسخ والمنسوخ في القرآن الكريم، لأبي بكر محمد بن عبدالله بن العربي (ت 543 هـ).
6 - نواسخ القرآن، لابن الجوزي (ت 597 هـ).
7 - ناسخ القرآن العزيز ومنسوخه، لابن البارزي (ت 738 هـ).
ومن المؤلفات الحديثة المطبوعة في موضوع النسخ:
1 - النسخ في القرآن الكريم، لمصطفى زيد (رسالة دكتوراه).
2 - نظرية النسخ في الشرائع السماوية، لشعبان محمد إسماعيل.
3 - فتح المنان في نسخ القرآن، لعلي حسن العريض.
4 - النسخ في الشريعة الإسلاميَّة كما أفهمه، لعبدالمتعال الجبري (رسالة ماجستير).
5 - النسخ بين الإثبات والنفي، لمحمد محمود فرغلي.
6 - دراسات في الإحكام والنسخ في القرآن الكريم، لمحمد حمزة.
7 - الأدلة المطمئنة على ثبوت النسخ في الكتاب والسنة، لعبدالله مصطفى العريس.
إضافة إلى ما كتب في النسخ في أغلب الكتب المؤلفة في علوم القرآن وأصول الفقه.
وهناك مقالات وبحوث في مجلات عن هذا الموضوع ومنها:
1 - النسخ في القرآن الكريم، للشيخ عبدالله الشبانة في مجلة البحوث الإسلاميَّة، العدد 29 ص 207
إلى ص 277.
2 - النسخ في الشريعة حقيقته والحكمة منه، لعمر السّردي في مجلة الحكمة، العدد التاسع ص 157
إلى ص 221.
الحواشي السفلية
(1) أخرجه أبو عبيد في الناسخ والمنسوخ ص 5، 6 رقم [3]، وابن جرير الطبري في تفسيره 5/ 576 بتحقيق: أحمد ومحمود شاكر، وأبو جعفر النحاس في الناسخ والمنسوخ 1/ 411 رقم [4]. وانظر: كلام المحقق عليه، وذكره ابن كثير في تفسيره 1/ 304، والسيوطي في الدر المنثور 1/ 348، وزاد سبته لابن المنذر وابن أبي حاتم.
(2) أخرجه أبو عبيد في الناسخ والمنسوخ ص 4 رقم [1]، والنحاس في الناسخ والمنسوخ 1/ 410 رقم [2] والخطيب البغدادي في الفقيه والمتفقه 1/ 244، وقال محققه: إسناده صحيح.
(3) مناهل العرفان للزرقاني 2/ 189.
(4) جامع بيان العلم وفضله 1/ 767 وقال المحقق عن هذا الأثر: (علقه المصنّف ولعله في بعض مصنفات أبي بكر النقاش، فإنه صاحب تصانيف ولم يكن محمود الرواية) انظر ترجمته في السير 15/ 573 - 576.
(5) تفسير القرطبي 2/ 62.
(6) ذكر هذه المعاني الثلاثة مكي بن أبي طالب في كتابه الإيضاح لناسخ القرآن ومنسوخه ص 47 - 53 وانظر: لسان العرب لابن منظور 14/ 121، وكتاب نزهة القلوب في تفسير غريب القرآن العزيز للإمام أبي بكر محمد بن عزيز السجستاني ص 443، 444، وللتوسع في معرفة معاني النسخ في اللغة انظر: كتاب النسخ في القرآن لمصطفى زيد 1/ 55 - 62.
(7) انظر: الآيات المنسوخة في القرآن الكريم، للدكتور عبدالله بن محمد الأمين الشنقيطي ص 18، 19.
(8) انظر: مجموع الفتاوى 13/ 29.
(9) انظر: إعلام الموقعين 1/ 66، 67.
(10) انظر: الموافقات للشاطبي 3/ 81 - 88، وقد توسع في تقرير ذلك وضرب الأمثلة عليه.
(11) الأصول من علم الأصول للشيخ محمد بن صالح العثيمين ص 45.
(12) من مقدمة محقق كتاب الناسخ والمنسوخ، لأبي جعفر النحاس 1/ 114، الشيخ الدكتور سليمان اللاحم.
وللحديث بقية إن شاء الله
¥