تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس: قوله: (إنا أنزلناه في ليلة القدر) قال: نزل القرآن جملة واحدة في ليلة القدر إلى سماء الدنيا، فكان الله تبارك وتعالى ينزّل على رسوله صلى الله عليه وسلم بعضه في إثر بعض، قالوا: (لولا نزّل عليه القرآن جملة واحدة كذلك لنثبت به فؤادك ورتلناه ترتيلاً). [أثر صحيح أخرجه ابن جرير والحاكم والبيهقي في الأسماء والصفات وقال محققه عبدالله الحاشدي: إسناده صحيح، وكذا صححه السيوطي في الإتقان، وقد خرجه محمد بازمول بالتفصيل في كتاب القراءات وأثرها في الأحكام 1/ 35، وذكر أن إسناده صحيح].

تنبيه مهم: لا يفهم من أثر ابن عباس السابق، وغيره من الآثار في هذا المعنى أن نزول القرآن على محمد صلى الله عليه وسلم كان من السماء الدنيا بواسطة جبريل عليه السلام، بل الصحيح أن نزول القرآن عليه صلى الله عليه وسلم كان من الله جل وعلا مباشرة بواسطة جبريل عليه السلام، حيث تكلم الله بالقرآن، وتلقاه منه جبريل، ثم نزل به على النبي صلى الله عليه وسلم فتلقاه منه، كما دلت على ذلك الآيات التي فيها التصريح بأن القرآن نزل من الله إلى رسوله. قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: ( ... وكذلك قد أخبر في غير موضع من القرآن أن القرآن نزل منه، وأنه نزل به جبريل منه، ... قال تعالى: (أفغير الله أبتغي حكماً وهو الذي أنزل إليكم الكتاب مفصلاً والذين آتيناهم الكتاب يعلمون أنه منزل من ربك بالحق)، وقال تعالى: (قل نزله روح القدس من ربك بالحق) .... فبين أن جبريل نزّله من الله لا من هواء، ولا من لوح، ولا من غير ذلك ..........

فقد بين الله في غير موضع أنه منزل من الله، فمن قال إنه منزل من بعض المخلوقات كاللوح والهواء فهو مفتر على الله، مكذب لكتاب الله، متبع لغير سبيل المؤمنين.) انتهى المراد باختصار [مجموع الفتاوي 12/ 519 - 520].

وقد فهم هذا الفهم الباطل أكثر الكاتبين والمتكلمين في هذا الموضوع، ثم انقسموا إلى قسمين:

القسم الأول: بعض أهل السنة الذين لا يشكون في نزول القرآن من الله تعالى بواسطة الأمين جبريل عليه السلام على قلب سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم، فأدى بهم هذا الفهم إلى إنكار الآثار الثابتة عن ابن عباس وغيره وتضعيفها.

ومن هذا القسم الشيخ محمد بن ابراهيم رحمه الله مفتي الديار السعودية سابقاً، فقد ألف رسالة لبيان بطلان القول بأن القرىن نزل جملة واحدة إلى السماء الدنيا، وبين أن هذا القول دسيسة اعتزالية لإنكار أن يكون الله تبارك وتعالى تكلم بالقرآن؛ لأن المعتزلة عن الحق ينكرون إثبات صفة الكلام لله عز وجل. [أشار إلى ذلك الشيخ عبدالقادر شيبة الحمد في كتابه: تهذيب التفسير 1/ 409 - 410].

ومنهم كذلك الشيخ محمد العثيمين رحمه الله، حيث سأله سائل فقال: ينسب إليكم أنكم ضعفتم قول ابن عباس بأن القرآن أنزله الله في رمضان جملة واحدة إلى السماء الدنيا، فهل هذا صحيح؟ وهل من دليل على خلافه؟. فأجاب رحمه الله بقوله: (نعم، الأدلة على خلافه أن الله يتكلم بالقرآن حين إنزاله على محمد صلى الله عليه وسلم ...... ) إلخ كلامه من كتاب اللقاء الشهري مع فضيلة الشيخ مجمد بن صالح العثيمين رقم 3 ص 30، 31.

والقسم الثاني: أثبت هذه الآثار، وفهم منها أن للقرآن نزولين: أحدهما من اللوح المحفوظ إلى السماء الدنيا جملة واحدة، والثاني: من السماء الدنيا إلى محمد صلى الله عليه وسلم منجماً مفرقاً بواسطة جبريل.

وأكثر المؤلفين في علوم القرآن من هذا القسم، كالزركشي في البرهان، وابن حجر، والزرقاني في مناهل العرفان، وغيرهم كثير.

والمتأمل في أقوال ابن عباس يجد أنها تدل على النزول الأول الذي ذكروه صراحة، وأما النزول الثاني فإنها لا تدل عليه كما هو ظاهر لمن تأملها.

والخلاصة التي توصلت إليها بعد طول بحث وتأمل في أقوال العلماء في هذه المسألة أن للقرآن الكريم نزولين:

نزول من اللوح المحفوظ إلى السماء الدنيا، وكان هذا النزول في ليلة القدر التي هي الليلة المباركة من شهر رمضان كما تدل على ذلك الآيات الثلاث المذكورة سابقاً مع الآثار الثابتة عن ابن عباس رضي الله عنهما، وهي صحيحة لا غبار عليها، ولا يمكن دفعها. [ولعل أحد الإخوة الذين لهم دراية بالتخريج ودراسة الأسانبد يفيدوننا بالتفصيل في ثبوت هذه الآثار عن ابن عباس.]

والنزول الثاني نزول مباشر من الله تعالى إلى رسوله محمد صلى الله عليه وسلم بواسطة جبريل عليه السلام.

فهذا الذي ينبغي أن يصار إليه، أما أن يفهم من الآثار عن ابن عباس أن جبريل لم ينزل بالقرآن من الله تعالى، وإنما نزل به من السماء الدنيا، ثم يوصل هذا الفهم إلى القول بضعف هذه الآثار، بل إلى إبطالها لمخالفتها القرآن كما ظنوا، فهذا استعجال أدى إليه عدم فهم هذه الآثار على وجهها الصحيح.

وبقي بعض التنبيهات المتعلقة بهذا المبحث نرجئها إلى درس آخر، والله أعلم.

تنبيه: للتوسع في هذا الموضوع ينظر كتاب الأستاذ الدكتور: محمد الشايع نزول القرآن الكريم؛ فقد توسع في ذكر الأقوال في كيفية نزول القرأن

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير