تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

- الوجه الرابع: ما أنبأ به من أخبار القرون السالفة، والأمم البائدة والشرائع الداثرة، مما كان لا يعلم منه القصة الواحدة إلا من مارس العلوم من أهل الكتاب، واطلع على الكتب المنزلة القديمة، كقصص النبياء مع قومهم، وخبر موسى [عليه السلام] والخضر وذي القرنين ولقمان وابنه وبدء الخلق، وغير ذلك مما في كتبهم القديمة مما اعترف بصحته العلماء من أحبار يهود، فمنهم من آمن به ومنهم من صد عنه مع عدم إنكارهم لصحته، قال الله تعالى: {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيراً مِّمَّا كُنتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ قَدْ جَاءكُم مِّنَ اللّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُّبِينٌ} [المائدة15].

- الوجه الخامس: الروعة التي تلحق قلوب سامعيه، وأسماعهم عند سماعه، والهيبة التي تعتريهم عند تلاوته؛ قال الله عز وجل: {[اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَاباً مُّتَشَابِهاً مَّثَانِيَ] تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} [الزمر23] وقال تعالى: {لَوْ أَنزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَّرَأَيْتَهُ خَاشِعاً مُّتَصَدِّعاً مِّنْ خَشْيَةِ اللَّهِ} [الحشر21] هذا في حق المؤمنين به، وأما من كذب به فكانوا يستثقلون سماعه، ويودّون انقطاعه، ولهذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " القرآن صعب مستصعب على من كرهه [ميسر على من تبعه] وهو الحكم " [أخرجه: الخطيب فى الجامع لأخلاق الراوى وآداب السامع (2/ 189 رقم 1573) وأوره الذهبى فى ميزان الاعتدال (5/ 371 ترجمة 6552) والحافظ ابن حجر فى اللسان (4/ 391، ترجمة 1193) كلاهما فى ترجمة عيسى بن إبراهيم بن طهمان الهاشمى].وقد تقدم أن عتبة بن ربيعة لما سمع القرآن من رسول الله صلى الله عليه وسلم وبلغ قوله: " صاعقةً مثل صاعقة عادٍ وثمود " [فصلت 13]، أمسك على في النبي صلى الله عليه وسلم وناشده الرحم أن يكف.

- الوجه السادس: كونه آية باقية لا تعدم ما بقيت الدنيا، وقد تكفل الله تعالى بحفظه فقال: " إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون " [الحجر 9]. وقال تعالى " لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه " [فصلت 42]، وسائر معجزات الأنبياء انقضت بانقضاء أوقاتها، فلم يبق إلا خبرها، والقرآن العزيز باق منذ أنزله الله تعالى وإلى وقتنا هذا، وما بعد إن شاء الله إلى آخر الدهر، حجته قاهرة، ومعارضته ممتنعة.

- الوجه السابع: أن قارئه لا يمل قراءته، وسامعه لا تمجه مسامعه، بل الإكباب على تلاوته وترديده يزيده حلاوة ومحبة، لا يزال غضا طريا، وغيره من الكلام ولو بلغ ما عساه أن يبلغ من البلاغة والفصاحة يمل مع الترديد، ويسأم إذا أعيد، وكذلك غيره من الكتب لا يوجد فيها ما فيه من ذلك، وقد وصف رسول الله صلى الله عليه وسلم القرآن " أنه لا يحلق على كثرة الرد ولا تنقضي عبره، ولا تفنى عجائبه، هو الفصل ليس بالهزل ". [1].

- الوجه الثامن: أن الله تعالى يسر حفظه لمتعلميه، وقربه على متحفظيه، قال الله تعالى: " ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكرٍ " [القمر 17]، فلذلك إن سائر الأمم لا يحفظ كتبها الواحد منها، وإن لازم قراءاتها، وداوم مدارستها، لم يسمع بذلك عن أحد منهم، والقرآن قد يسر الله تعالى حفظه على الغلمان في المدة القريبة والنسوان، وقد رأينا من حفظه على كبر سنه، وهذا من معجزاته.

- الوجه التاسع: مشاكله بعض أجزائه بعضا، وحسن ائتلاف أنواعها، والتئام أقسامها، وحسن التخلص من قصة إلى أخرى، والخروج من باب إلى غيره على اختلاف معانيه، وانقسام السورة الواحدة على أمر ونهي، وخبر واستخبار ووعد ووعيد، وإثبات نبوة وتوحيد، وتقرير وترغيب وترهيب، إلى غير ذلك، دون خلل يتخلل فصوله، والكلام الفصيح إذا اعتوره مثل هذا ضعفت قوته، ولانت جزالته، وقل رونقه، وتقلقلت ألفاظه، وهذا من الأمور الظاهرة التي لا يحتاج عليها إقامة دليل، ولا تقرير حجة، ولا بسط مقال.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير