تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

قال المؤلف هنا: "إنزاله: أُنزل القرآن جملة" يعني مرة واحدة "في ليلة القدر إلى بيت العزة في السماء الدنيا" ورد ت عدد من النصوص تدل على أن القرآن نزل في ليلة القدر، قال -تعالى: شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ وقال -سبحانه: إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ وقال -جل وعلا: إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ

واختلف العلماء وفي تفسير هذه الآيات على قولين:

الأول: أن المراد إنزال القرآن إلى بيت العزة في السماء الدنيا مكتوبا وهذا قول ابن عباس وتلاميذه، وقد ورد ذلك عنه بأسانيد متعددة صحيحة.

والقول الثاني: أن المراد بذلك ابتداء إنزال القرآن، فإن أول نزول القرآن نزل في ليلة القدر، ثم نزل بعد ذلك منجما، ولا مانع أن يكون كل من القولين صحيحا.

وهذا القول الثاني قال به جماهير الصحابة، وقد رجحه جماعة وقالوا بأن نصوص القرآن تدل عليه، وقول الصحابي لا يعمل به إذا كان قد خالفه غيره وظواهر القرآن تدل على خلافه، ولا مانع أن يكون كل من القولين صحيحا، إذ لا تعارض بينهما، فإن إنزال القرآن جملة واحدة كان في ليلة القدر إلى السماء الدنيا، ولا يمنع هذا من كون جبريل -عليه السلام- قد سمع القرآن من الله -سبحانه وتعالى- بعد ذلك.

وقول المؤلف: "وأنزل منجما بحسب الوقائع" يعني: أن جبريل ينزل بالقرآن على النبي -صلى الله عليه وسلم- مفرقا على وفق أسباب النزول، وليس معناه: أن جبريل نقله من الكتاب الموجود في السماء الدنيا، بل الصواب: أن جبريل -عليه السلام- قد سمعه من الله -سبحانه وتعالى.

ومن هنا نعلم خطأ بعض المؤلفين عندما قال: إن جبريل نقله من اللوح المحفوظ أو نقله من هذا المكتوب الموجود في السماء الدنيا في بيت العزة، هذا قول خاطئ مخالف لما دلت عليه النصوص الشرعية، والله -سبحانه وتعالى- لا يمتنع أن يكون قد أنزله ثم يتكلم به بعد ذلك، لا مانع من هذا فإن القرآن موجود في اللوح المحفوظ الذي سجل فيه ما في الدنيا، ومع ذلك أنزله الله -سبحانه وتعالى- من عنده إلى السماء الدنيا.

ويدل على ذلك أن الله -عز وجل- ذكر بعض أفعال العباد بصيغة الماضي مما يدل على أنه لم يتكلم به إلا بعد فعلهم لذلك الفعل، ومنه قوله -سبحانه: قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا فالسماع إخبار عن أمر ماض، والمجادلة أمر ماض ويستحيل أن يتكلم الله -سبحانه وتعالى- بما سيأتي بهذه الصيغة، مما يدل على أن قوله -سبحانه- وكلامه بذلك إنما حصل بعد حصول السماع والمجادلة.

ويدل على هذا قوله -سبحانه: وَقُرْآنًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنْزِيلًا وقوله: مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ والمراد بالمحدث: الذي أنزل جديدا، فإن الله -سبحانه وتعالى- كان يتكلم بالقرآن وينزله شيئا بعد شيء.

ونمثل لهذا بمثال -ولله المثل الأعلى- كتابة أعمال العباد، كان الله -عز وجل- قد كتبها في اللوح المحفوظ قبل أن يعملها العباد، ثم أمر الملائكة بعد ذلك بكتابة أعمال العباد بعد أن يفعلوها، كما قال جل وعلا وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ كِرَامًا كَاتِبِينَ يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ

ومن هنا نعلم خطأ من قال: إن جبريل -عليه السلام- نقل القرآن من اللوح المحفوظ إلى النبي -صلى الله عليه وسلم، أو من هذا المكتوب الموجود في بيت العزة في السماء الدنيا إلى النبي -صلى الله عليه وسلم.

وقد ألف الشيخ محمد بن إبراهيم -رحمه الله تعالى- رسالة في بيان خطأ هذا القول وبيان مخالفته لمعتقد أهل السنة والجماعة.

ومن فوائد كون القرآن منجما: تثبيت فؤاد النبي -صلى الله عليه وسلم- وتثبيت فؤاده -صلى الله عليه وسلم- يحصل بأمرين:

الأول: تقوية قلبه ضد الشبهات التي قد تعرض له من وساوس الشياطين.

والثاني: زيادة حفظه للقرآن، لكون القرآن غير مكتوب، فحينئذ ناسب أن يفرق من أجل أن يتمكن من حفظه.

ومن فوائد كون القرآن منجما أن يكون نزوله بأسباب معلومة يتيسر على الناس فهم القرآن من خلال معرفة هذه الأسباب، ومن فوائد التنجيم أيضا حصول التدرج في التشريع، ليقبل الناس بأحكام الشريعة.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير