ومن فوائده أيضا وجود الناسخ والمنسوخ، قال المؤلف هنا: "يلقيه جبريل إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- في مثل صلصلة الجرس" ذكر المؤلف هنا أنواع الوحي من حيث كيفيته.
الكيفية الأولى: أن يكون مثل صلصلة الجرس، قال: "وهو أشده عليه" وقد ورد في حديث ابن مسعود مرفوعا إن الله إذا تكلم بالوحي سمع أهل السماوات صلصلة كصلصلة السلسلة على الصفا، قال: فيفزعون حتى يأتيهم جبريل، فإذا فزع عن قلوبهم قالوا: يا جبريل، ماذا قال ربك؟ فيقول جبريل: الحق فدل ذلك على أن جبريل يسمع كلام الله، وعلى أن هذا الوحي مسموع.
جاء في حديث عائشة -رضي الله عنها: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- لما سئل كيف يأتيك الوحي؟ قال: أحيانا يأتيني مثل صلصلة الجرس، وهو أشده علي، فيفصم عني وقد وعيت عنه ما قال، وأحيانا يتمثل لي الملك رجلا فأعي ما يقول فهذه طريقتان وكيفيتان في تلقي الوحي، ولذلك ذكر المؤلف الطريقة الثانية "فقال: ويأتيه في مثل صورة الرجل يكلمه".
وقد ذكر بعض المفسرين النفث في الروع: والنفث في الروع في حقيقته لا يخرج عن الكيفية الأولى، وذكر بعضهم مكالمة الله -سبحانه وتعالى- للنبي -صلى الله عليه وسلم- مباشرة، وذلك مثل حديثه له في الإسراء، ولكن هذا مكالمة وليست وحيا.
قول المؤلف هنا: "ثبت أنه أنزل القرآن على سبعة أحرف" وذلك لأنه قد روى أكثر من عشرين نفسا من الصحابة -رضوان الله عليهم- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- هذا اللفظ: "أنزل القرآن على سبعة أحرف" مما جعل العلماء يذكرون أن هذا الحديث من المتواترات.
ويدخل في السبعة أحرف طرق الأداء واختلاف التصريف والإعراب مثال ذلك "ليس البرُّ" و"ليس البرُّ" والأداء في مثل الإمالة ونحوه "أتى وأتي" ويدخل في ذلك أيضا مراعاة لهجات العرب في كلامها، ويدخل في ذلك أيضا تغير بعض الحروف فبدل الباء قد تكون نونًا مثل "بشرى نشرى" ومثل "ننشرها وننشزها" ومثل "فتثبتوا وفتبينوا" ونحو ذلك مما ورد في القرآن.
ولكن هذه الأحرف ليست متضادة ولا متعاكسة، وإنما متوافقة، إما أن تدل على معنى واحد، وإما أن تدل على معان مختلفة غير متقابلة ومتضادة، فهذا فيه مزية للقرآن وبيان لإعجازه، فإن هذه الأحرف مع تنوعها وتعددها لم يحصل بينها تضاد ولا اختلاف.
قال المؤلف: "أنزل القرآن على سبعة أحرف" هذه الأحرف السبعة لا تخرج عن خط المصحف العثماني، والقراءات السبع المشهورة المتداولة بعض هذه الأحرف وليس جميع الأحرف النازلة.
قال المؤلف: "وقيل" يعني أن هناك قولا آخر في حقيقة الأحرف السبعة، وقول المؤلف "قيل" إشارة إلى ضعف هذا القول، وأنه ليس قولا راجحا: "إن هذه الأحرف السبعة هي المعاني المتفقة بألفاظ مختلفة" ومن أمثلته "هلم وأقبل" فكلاهما طلب للإتيان والمجيء.
والمؤلف قد ضعف هذا القول، وقد ورد هذا القول عن أبي بكر وأُبي بن كعب، ولا يفهم من هذا أنهم يقولون يجوز قراءة القرآن بالمعنى بحيث إذا جاءنا لفظ "هلم" أبدلناه بـ "أقبِل" ونحو ذلك.
هذا لا يقولنه هم، وإنما يفسرون قول النبي -صلى الله عليه وسلم- "أنزل القرآن على سبعة أحرف" فإذا أتينا بمعنى من عند أنفسنا فإن هذا المعنى لم ينزل به وحي، والحديث نص على أن هذه الأحرف السبعة نازلة من عند الله "أنزل" وهؤلاء الصحابة أيضا أتوا بهذا التمثيل لبيان أن هذه الأحرف السبعة غير متضادة ولا متقابلة، وأنها متفقة في المعنى وإن وقع فيها اختلاف.
وليس المراد عندهم هذه الألفاظ بخصوصها "هلم وأقبل" وإنما مرادهم التمثيل، ولو أتي بمثل "فتثبتوا" وقراءة "فتبينوا" لكان أوضح وأولى، لأن كلا منهما دال على نفس المعنى وكلاهما نازل، وقد ورد كلاهما عن النبي -صلى الله عليه وسلم. المقصود أن مثل هذا القول لا يدل على أن هؤلاء الصحابة يجيزون رواية القرآن بالمعنى.
"وكتب في الرقاع وغيرها في عهد النبوة" يعني أنه في عهد النبي -صلى الله عليه وسلم- كتب في الرقاع والعسف، وكان موجودا في صدور الرجال، ثم بعد ذلك في عهد أبي بكر كتب في الصحف، وذلك أنه أتى عمر -رضي الله عنه- بأبي بكر وقال إن القتل استحرّ في قُراء القرآن، وذلك بعد معارك اليمامة، وإني أخشى أن يذهب القرآن، فإن مواطن الجهاد يخشى أن يستحر القتل فيها بالقراء.
¥