كان الشيخ منضبطا كل الانضباط حريصا جد الحرص على وقت الدرس و كثيرا ما يزوره شخص ذو قيمة علمية أو مكانة اجتماعية فيظن الطلبة أنها فرصة للراحة و يستبشرون خيرا، و لكن ما يروعهم إلا أن يروا الشيخ يستعد للدرس أو يدخل إلى القاعة و قد خلف للزائر من يؤنسه.
و قد ذكر الشيخ المهدي بوعبدلى – رحمه الله – انه جاءه زائرا مع قاضي بجاية و كان وقت الدرس قد آن، فظن انه لن يتركهما و يلتحق بدرسه، و لكن بعد أن رحب بهما اعتذر منهما و اقبل على درسه تاركا معهما احد الطلبة الكبار.
حاول الاستعمار الفرنسي أن يضيق عليه الخناق لأنه كان يندد به و يهاجمه و يهاجم أذنابه من الخونة و المرتدين الذين باعوا دينهم ووطنهم بأبخس الأثمان، و تنكروا لأصالتهم و أمجاد وطنهم.
لكن الله سبحانه و تعالى قيض له رجل هو صديقه الأستاذ احمد بن زكري – رحمه الله – مدير المدرسة الثعالبية الرسمية الذي كان يدافع عنه، فما إن يبلغ مسامعه أن هناك من يريد به شرا أو يحوم حوله حتى يحول بينه و بين الشيخ الشرفاوي و ذلك لما له من مكانة عند السلطات الفرنسية نظرا للمنصب المرموق و المنزلة العلمية اللتان يتمتع بهما.
أعلنت الزوايا و الطرقية حربا شعواء ضده، فقد لاقى منهم مقاومة و مغالطة و جحود، فراحوا يشيعون عنه الأكاذيب و انه يفتي بما لم يفتي احد من العالمين و يتهمونه بالجهل بقضايا الدين و بأنه يسب الأولياء و الصالحين و غيرها من الأباطيل.
و هكذا عانى و يعاني رجال العلم و الإصلاح في كل زمان و مكان.
شيوخه و أساتذته:
من الشيوخ الذين اثروا كثيرا في حياة مترجمنا نذكر:
1 - الشيخ عبد القادر المجاوي (ت سنة1332هـ/ 1914م): " كان عالما مفكرا عاملا بعلمه، يقوم بتطبيق ما يراه من مناهج الإصلاح وأساليب التربية والتعليم، ابتدأ التدريس في مدينة قسنطينة سنة 1286مدرسا متطوعا، ثم عين مدرسا بجامع الكتاني سنة1290. وتولى التدريس بالمدرسة الكتانية سنة 1295، ثم أبعدته الحكومة الفرنسية من قسنطينة إلى مدينة إلى الجزائر سنة 1316 فدرس في المدرسة الثعالبية، ونالت دروسه إقبال الناس، وأحبوا فيه صدق اللهجة وصفاء السريرة، وظل يخاطب القلوب ويربي النفوس إلى إن أدركته الوفاة، وله مؤلفات كثيرة منها:
- إرشاد المتعلمين
- المرصاد في مسائل الاقتصاد
- شرح منظومة في إنكار البدع والمفاسد الاجتماعية.
- رسالة في التربية و التعليم
- رسالة في علم الكلام سماها القواعد الكلامية.
2 - الإمام الفقيه الموسوعي، الشيخ محمد بخيت المطيعي الحنفي الذي كان يلقب بالأستاذ الأكبر (ت 1354 هـ/ 1935 م) مفتي الديار المصرية، ومن كبار فقهائها، لم ينقطع عن التدريس، و يذكر الأستاذ الشرفاوي ان شيخه لم ينقطع أبدا عن التدريس و إفادة الطلبة بالإرشاد و التوجيه و إجابة المستفتين من مختلف أرجاء العالم الإسلامي نيفا و ستين سنة.
من مؤلفاته:
- إرشاد الامة إلى أحكام أهل الذمة
- أحسن الكلام فيما يتعلق بالسنة والبدع من الاحكام
- حسن البيان في دفع ما ورد من الشبه على القرآن
- الكلمات الحسان في الاحرف السبعة وجمع القرآن
- القول المفيد في علم التوحيد
و غيرها.
3 - الأستاذ يوسف الدجوي (ت سنة 1365 هـ/ 1946 م) من هيئة كبار علماء الأزهر، و المحرر في مجلة نور الإسلام، كف بصره في غرة طفولته و رغم هذه العاهة فقد جد في طلب العلوم و المعارف حتى صار قمة شامخة في الفتوى رغم بعض المآخذ التي كان سجلها عليه معاصروه، من مؤلفاته:
- رسائل السلام ووسائل الإسلام.
- الجواب المنيف في الرد على مدعي التحريف في الكتاب الشريف.
- تنبيه المؤمنين لمحاسن الدين.
- الرد على كتاب الإسلام و أصول الحكم لمصطفى عبد الرزاق.
و مما يروي عنه الشيخ الشرفاوي حرصه الشديد على التحدث بالعربية الفصحى حيث يرى أن للأمة العربية شخصيتها التاريخية العظيمة و لا سبيل إلى التعرف عليها إلا بواسطة هذه اللغة.
تلامذته:
كان عدد الطلبة الذين تخرجوا على يديه بالمعهد اليلولي خلال عشرة أعوام – و هي المدة التي قضاها فيه – لا يعد و لا يحصى، إذ وصل عددهم في بعض السنوات إلى 300 طالب من مختلف أرجاء الوطن، استفادوا من علمه و طريقته في التربية و التعليم، يذكر تلميذه محمد الصالح الصديق منهم:
- الأستاذ الأديب نعماني المكي
¥