بعد كد سنوات التحصيل، و متابعة و إتقان لكل ما يدرس في الأزهر من مختلف الفنون و العلوم ينال الشيخ الشرفاوي شهادة العالمية و تجيزه هيئتة إجازة عامة في التدريس و التعليم و ذلك سنة 1339 هـ / 1921 م [يذكر الشيخ لطلبته احتفاء الطلبة المغاربة بنجاحه و فرحهم به، و يذكر كيف أن بعضهم بكى من شدة فرحه بهذا النجاح]، ثم يرشح للتدريس بالأزهر فقدم دروسا انتفع بها طلبة العلم لمدة احد عشر سنة، كما كان يتردد على المكتبات العامة بالقاهرة يعكف على المطالعة و دراسة التراث الإسلامي و العربي، و يشارك بين الفينة و الأخرى في كتابة مقالات في مجلة الأزهر و غيرها.
عودته إلى الجزائر:
عاد سنة 1351 هـ / 1933م بعد أن أدى فريضة الحج حيث التقى ببعض أقاربه فأهاجوا أشواقه إلى الجزائر و حن إليها حنين الإلف فارقه القرين، فأثاروا فيه الذكريات، فأرسل رسالة إلى أهله يعلمهم باعتزامه العودة إلى الجزائر بصفه نهائية، و ما إن بلغهم الخبر حتى اهتزوا فرحا، و رأوا أن عودة العالم الذي قضى في الشرق أمدا طويلا يدرس العلم حتى صار قمة شامخة سوف تفتح لهم بهذا العالم صفحة مشرقة في حياة المنطقة، و سوف يكون لهم به عز و أي عز و مكانة و أي مكانة، لا شك انه وسام شرفهم و عنوان مجدهم، فما كان إلا أن اجتمع أعيان قرية شرفة بهلول، و قرروا أن يجمعوا له مبلغا من المال و هو ما كان و أرسلوه إليه عن طريق حوالة بريدية على عنوانه بمصر، كما قرروا بناء منزل يليق بمقامه بجوار زاوية الشرفة، و قد سرى خبر عودته الى الجزائر حتى بلغ مسامع القرى و المدن المجاورة ووصل إلى علماء الجزائر، و لذلك ما إن وصلت الباخرة التي كانت تقله إلى ميناء العاصمة حتى وجد في استقباله جمعا غفيرا من العلماء و طلبة العلم و الأعيان و الأقارب في مقدمتهم احمد بن زكري مدير المدرسة الثعالبية و الشيخ الطيب واعمر شيخ زاوية احمد الإدريسي البجائي،
و زاره بعدها بأيام كل من العالمين الجليلين الأستاذ عبد الحميد بن باديس و الشيخ الطيب العقبي و عرضا عليه الانضمام الإقامة في العاصمة للعمل معهم في صف جمعية العلماء المسلمين و يقوم بواجبه في الإصلاح و التعليم، لكنه اعتذر منهما، واعلمهما بأنه وعد الشيخ الطيب واعمارة شيخ زاوية احمد الإدريسي البجائي بأنه سيقوم بمهمة التدريس في المعهد اليلولي، و اخبرهما بأنه سيكون إلى جانب رجال الجمعية في عملهم الإصلاحي، و هذا ما كان حيث أنه لم ينقطع عن جمعية العلماء المسلمين فكان يمد صحفها بالمقالات و الدراسات، و لقاء زملائه العلماء من حين لأخر للتشاور و تبادل الرأي بالعاصمة.
تدريسه بالمعهد اليلولي:
بدأ الشيخ التدريس في المعهد اليلولي بعد راحة قصيرة، وقد فرح به الطلبة فرحا شديدا، و تسامع الناس به، فأقبلوا يسجلون أبنائهم مهللين فرحين، بل بلغ الأمر ببعض الطلبة القدامى الذين انهوا دراستهم و اخذوا يباشرون أعمالا مختلفة في مناطقهم بعد أن سمعوا به أن عادوا إلى مقاعد الدراسة، و هناك من التحق بدروسه و قد جاوز الخمسين من العمر.
وكانت الدروس التي برمجها في تلك السنة و ظل على اغلبها طوال إقامته بالمعهد لمدة عشر سنين هي:
- التفسير و كان يعتمد على تفسير (روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني) لمؤلِّفه محمود الآلوسي البغدادي، أبو الثناء شهاب الدين، لأنه يرى أنه تفسيراً جامعاً، لآراء السلف رواية ودراية، ومشتملاً على أقوال الخلف بكل أمانة وعناية.
- الفقه بمتن خليل و شرح الخرشي.
- الحديث الشريف و كان يدرسه من ((سبل السلام، شرح بلوغ المرام من جمع أدلة الأحكام)) لمحمد بن إسماعيل الصنعاني، (ت 1182هـ).
- علوم اللغة العربية من بلاغة و نحو و صرف.
- الرياضيات و الحساب و المنطق و التاريخ.
" ... و مثار العجب أو الدهشة، أن الشيخ يقوم بهذه الدروس كلها وحده بحيث يبدأ بالحديث إثر صلاة الصبح، و ينتهي بعد صلاة العشاء بدرس الفقه، و ليس له في اليوم إلا راحتان بعد الغذاء و قبيل المغرب، وحتى هذه الأخيرة لا يرتاح فيها إلا قليلا جدا لأنه يستقبل فيها السائلين و المفتين من الطلبة و المواطنين فلا يكاد ينتهي من إجاباتهم إلا مع قرب آذان المغرب.
¥