والقول الآخر بأن ترتيب سور القرآن ثابت بالنص وليس ثابتا بطريق الاجتهاد واستدلوا على ذلك بعدد من الأدلة، منها: أن القرآن قد أنزل إلى السماء الدنيا في ليلة القدر، كما ورد عن ابن عباس مكتوبا، وهذه الكتابة لا بد أن تكون بترتيب، والمصحف الذي بين أيدينا مماثل لذلك المصحف المنزل إلى السماء الدنيا وكان موافقا له في ترتيبه.
واستدلوا على ذلك ثانيا بأن النبي -صلى الله عليه وسلم- قد عرض على جبريل القرآن في رمضان الأخير عرضة تامة كاملة مرتين، وهذا العرض لا بد أن يكون بترتيب فيكون موافقا للترتيب الذي بين أيدينا.
واستدلوا على ذلك ثالثا بما ورد في حديث المرأة التي وهبت نفسها للنبي -صلى الله عليه وسلم- فلم يردها النبي -صلى الله عليه وسلم- فجاء رجل فقال: يا رسول الله، زوجنيها فقد جاء في بعض الروايات أنهم قالوا: وكان معه سورة البقرة، والسورة التي تليها مما يدل على أن الترتيب كان موجودا.
واستدلوا على ذلك رابعا بما ورد في الحديث أن القرآن يحاج عن صاحبه يوم القيامة يقدمه سورة البقرة وسورة آل عمران مما دل على أن هذا الترتيب معني ومقصود.
واستدلوا على ذلك أيضا بما ورد من أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قرأ السبع الطوال في ركعة مما يدل على أنها مرتبة كذلك.
واستدلوا عليه بما ورد في الحديث أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: اقرءوا الزهراوين البقرة وآل عمران، فإنهما يأتيان يوم القيامة كأنهما غمامتان تحاجان عن صاحبهما فقرن بينهما مما يدل على أن هاتين السورتين قد حفظ ترتيبهما نصا.
ويدل على ذلك أيضا نظم القرآن، فهذا القرآن في تنظيمه لو كان باجتهاد من الصحابة لجمع الصحابة بين السور المتشابهة في أوائلها، لجمعوا بين السور التي في أوائلها (حمد)، أو السور التي في أوائلها (تسبيح)، أو السور التي في أوائلها (حم)، ولكن الصحابة لم يجمعوا بينها مما يدل على أنهم قد تلقوا ذلك عن النبي -صلى الله عليه وسلم.
ويدل عليه أيضا ما ورد في حديث ابن مسعود أنه قال: أنا أعرف القرائن، أي: السور التي يقرن بينها النبي -صلى الله عليه وسلم، ثم عددها على هذا الترتيب المعروف، وهذا القول أقوى من القول الأول، وأما حديث حذيفة فيحتمل أنه كان قبل العرضة الأخيرة، فلم يكن هذا الترتيب معروفا عند النبي -صلى الله عليه وسلم- في أول الأمر، ثم لما عرض القرآن على جبريل رتبه هكذا.
وعلى كل من القولين القول القائل بأن ترتيب السور اجتهادي والقول القائل أن ترتيب السور نصي، فإن هذا الترتيب قطعي لوقوع الإجماع عليه، الإجماع القطعي المتواتر، وإذا ورد دليل قطعي على مسألة حرمت مخالفته، وحينئذ يحرم علينا مخالفة ترتيب سور القرآن، فمن قال سأرتب سور القرآن بحسب نزولها، قيل: هذا الترتيب خاطئ مخالف لما وقع عليه إجماع الأمة القطعي.
ويتعلق بمصحف عثمان مسألة وهي: هل يجب علينا المحافظة على رسم المصحف، أو يجوز لنا إبداله وتغييره بحسب ما يعرفه الناس ويتداولونه من قواعد الإملاء ونحو ذلك؟
الصواب في هذا: أنه لا يجوز، وذلك لثلاثة أمور:
الأمر الأول: وقوع إجماع الصحابة والتابعين وجميع الأمة على هذا المصحف بهذا الخط، فيحرم مخالفتهم.
والثاني: أنه قد لوحظ في هذا الخط جمعه للأحرف التي نزل بها القرآن فيكون حاويا للقراءات، فإذا بدلنا هذا الرسم فإنه حينئذ لا يكون رسم القرآن محتويا على هذه الأحرف.
والوجه الثالث: أن في ذلك وسيلة وسبيلا إلى تبديل القرآن وتغييره والله -عز وجل- قد أمرنا بالمحافظة على هذا القرآن وبذل الأسباب لاجتناب تغييره وتبديله.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــ
من كتاب أصول التفسير
للشيخ: عبد الرحمن القاسم
شرح الشيخ: سعدبن ناصر الشثري حفظه الله
ـ[أبومجاهدالعبيدي]ــــــــ[01 Mar 2010, 09:57 م]ـ
من كتاب أصول التفسير
للشيخ: عبد الرحمن القاسم
شرح الشيخ: سعدبن ناصر الشثري حفظه الله
اسم الكتاب الصحيح: مقدمة التفسير للشيخ عبدالرحمن بن قاسم، وهي مقدمة ألفها هو، وكتب عليها حاشية، وطبعت بعنوان: حاشية مقدمة التفسير.
وشرح الشيخ الدكتور سعد بن ناصر الشثري متن المقدمة شرحاً جيداً في إحدى دورات مسجد ابن تيمية بالرياض.
وقد طبع الشرح.