تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وإني أرى أن نأمر بالقرآن أن يكتب وأن يجمع، فلم يزل عمر يكرر هذا القول على أمير المؤمنين أبي بكر الصديق -رضي الله عنه- حتى شرح الله صدره لذلك، فأمر زيد بن ثابت فجمعه من العسف واللحاق وصدور الرجال، وسجلت في هذه الصحف.

والقرآن قد جمعه وحفظه في عهد النبوة جماعة، فليس معناه أن القرآن لم يكن محفوظا قبل هذه الصحف، وإنما كان موجودا في صدور الرجال، وقد حفظه في عهد النبوة جماعة وبعد ذلك العهد حفظه جماعات.

وقول بعضهم: إنه لم يحفظه إلا أربعة، وورد في بعض الألفاظ: لم يجمع القرآن في عهد النبوة إلا أربعة، معناه: أن هؤلاء هم الذين كانوا يتولون إقراء القرآن للناس، فكان الناس يرجعون إليهم في إقراء القرآن، وليس المرد به أنه لم يحفظه إلا هؤلاء الأربعة فقط.

هذه الصحف التي كتبها زيد بن ثابت بقيت عند أبي بكر حياته، ثم أخذها عمر بن الخطاب -رضي الله عنه، ثم بعد ذلك كانت عند حفصة بنت عمر أم المؤمنين -رضي الله عنها، فلما عهد عثمان كان الناس يتداولون صحفا مختلفة متفرقة، وهذه الصحف تختلف فيها اللهجات وفيها قراءات شاذة، فحينئذ خُشي من اختلاف الناس وعدم انضباط أمورهم.

فجاء حذيفة بن اليمان -رضي الله عنه- إلى عثمان وقد أفزعه اختلاف الناس في القراءة، فأشار عليه بكتابة المصحف، بحيث يكتب من الصحف التي كتبها أبو بكر نُسخا أخرى توزع على البلدان فيعتمدها الناس، فكتبت هذه النسخ وأرسلت إلى الأفاق، أرسل إلى كل أفق من الأفاق بمصحف.

وليس معناه أن القرآن لم يكن موجودا إلا في هذه المصاحف، بل الناس كانوا يحفظون القرآن، وكانوا قد دونوه في صحفهم، ولكن كما تقدم أن بعضهم لديه قراءة شاذة، وبعضهم يقرأه باختلاف اللهجات، وحينئذ خشي من اختلاف الناس فكتبت هذه المصاحف.

قال المؤلف: "والجمهور أنه مشتمل على ما يحتمله رسمها ومتضمنتها العرضة الأخيرة" يعني: أن جمهور أهل العلم يرون أن هذا المصحف العثماني قد اشتمل على جميع الأحرف السبعة باحتمال رسمه، فرسم مصحف عثمان يحتمل القراءات المتعددة، ومن هنا قرر الفقهاء بأن كل قراءة تخرج عن مصحف عثمان فإنها قراءة شاذة.

"العرضة الأخيرة" هي قراءة جبريل أو عرض جبريل القرآن على النبي -صلى الله عليه وسلم- في آخر رمضان من حياته فإنه قد عرض عليه القرآن كاملا، فقد عرض عليه القرآن مرتين وهذا العرض قد تضمن جميع الأحرف التي نزل بها القرآن.

قال: "وترتيب الآيات بالنص" يعني: أن ترتيب الآيات في السورة الواحدة ثابت بواسطة النص، ودليل ذلك ما ورد في الأحاديث أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان إذا نزلت عليه الآيات قال: اجعلوها في السورة التي يذكر فيها كذا بعد آية كذا، ويدل على ثبوت ترتيب الآيات بالنص أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يقرأ سور القرآن كاملة، وهذه القراءة تكون بهذا الترتيب الذي بين أيدينا.

ويدل عليه أيضا ما ورد من الأحاديث في إثبات أوائل السور أو أواخرها كما في الحديث: ألا تكفيك آية الصيف التي في آخر النساء في قضية الكلالة، وكما في "صحيح مسلم": من حفظ عشر آيات من أول سورة الكهف وقي من فتنة الدجال - وفي لفظ - من آخر سورة الكهف ويدل على ذلك ما ورد في قوله -تعالى: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أرشدهم إلى موضعها تحديدا.

قال المؤلف: "والسور بالاجتهاد" يعني: أن ترتيب سور القرآن ليس بطريق نصي وإنما هو ثابت بطريق الاجتهاد، وهذا رأي الجماعة من المفسرين، والعلماء واستدلوا عليه بعدد من الأدلة منها ما ورد عن ابن عباس -رضي الله عنهما- أنه قال لعثمان: "ما حملكم على أن عمدتم إلى سورة الأنفال وهي من المثاني وإلى سورة براءة وهي من المئين فقرنتم بينهما؟ " فدل ذلك على أن هذا الترتيب باجتهاد منهم، فقال عثمان: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- توفي ولم يفصل بينهما ولم أسأله عنهما.

واستدلوا على ذلك ثانيًا بأن الصحابة -رضوان الله عليهم- قد اختلفوا في ترتيب سور القرآن، ولذلك يقولون تأليف ابن مسعود وترتيبه لسور القرآن يخالف ترتيب غيره.

واستدلوا ثالثا على كون ترتيب سور القرآن اجتهاديا وليس نصيا ما ورد في حديث حذيفة أن النبي -صلى الله عليه وسلم- صلى صلاة الليل فقرأ سورة البقرة ثم سورة النساء ثم سورة آل عمران مما يدل على أن الترتيب اجتهادي وليس نصيا.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير