تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وفلان لا يؤمن بذلك. ومعلوم أن هذا ليس من ألفاظ العرب قبل نزول القرآن ; بل هو مما تكلم الناس به بعد عصر الصحابة لما صار من الناس أهل البدع يكذبون بالشفاعة وعذاب القبر , ومرادهم بذلك هو مرادهم بقوله: فلان يؤمن بالجنة والنار وفلان لا يؤمن بذلك. والقائل لذلك وإن كان تصديق القلب داخلا في مراده ; فليس مراده ذلك وحده , بل مراده التصديق بالقلب واللسان فإن مجرد تصديق القلب بدون اللسان لا يعلم حتى يخبر به عنه. (السابع): أن يقال: من قال ذلك ; فليس مراده التصديق بما يرجى ويخاف بدون خوف ولا رجاء ; بل يصدق بعذاب القبر ويخافه ويصدق بالشفاعة ويرجوها. وإلا فلو صدق بأنه يعذب في قبره ولم يكن في قلبه خوف من ذلك أصلا لم يسموه مؤمنا به كما أنهم لا يسمون مؤمنا بالجنة والنار إلا من رجا الجنة وخاف النار , دون المعرض عن ذلك بالكلية مع علمه بأنه حق. كما لا يسمون إبليس مؤمنا بالله وإن كان مصدقا بوجوده وربوبيته , ولا يسمون فرعون مؤمنا وإن كان عالما بأن الله بعث موسى وأنه هو الذي أنزل الآيات وقد استيقنت بها أنفسهم مع جحدهم لها بألسنتهم , ولا يسمون اليهود مؤمنين بالقرآن والرسول وإن كانوا يعرفون أنه حق كما يعرفون أبناءهم. فلا يوجد قط في كلام العرب أن من علم وجود شيء مما يخاف ويرجى ويجب حبه وتعظيمه ; وهو مع ذلك لا يحبه ولا يعظمه ولا يخافه ولا يرجوه , بل يجحد به ويكذب به بلسانه أنهم يقولون: هو مؤمن , بل ولو عرفه بقلبه وكذب به بلسانه لم يقولوا: هو مصدق به. ولو صدق به مع العمل بخلاف مقتضاه لم يقولوا هو مؤمن به. فلا يوجد في كلام العرب شاهد واحد يدل على ما ادعوه. وقوله: {وما أنت بمؤمن لنا} قد تكلمنا عليها في غير هذا الموضع فإن هذا استدلال بالقرآن وليس في الآية ما يدل على أن المصدق مرادف للمؤمن فإن صحة هذا المعنى بأحد اللفظين لا يدل على أنه مرادف للآخر كما بسطناه في موضعه. (الوجه الثامن): قوله: لا يعرفون في اللغة إيمانا غير ذلك. من أين له هذا النفي الذي لا تمكن الإحاطة به؟ بل هو قول بلا علم. (التاسع): قول من يقول: أصل الإيمان مأخوذ من الأمن كما ستأتي أقوالهم إن شاء الله. وقد نقلوا في اللغة الإيمان بغير هذا المعنى. كما قاله الشيخ أبو البيان في قول. (الوجه العاشر): أنه لو فرض أن الإيمان في اللغة التصديق ; فمعلوم أن الإيمان ليس هو التصديق بكل شيء , بل بشيء مخصوص وهو ما أخبر به الرسول صلى الله عليه وسلم ; وحينئذ فيكون الإيمان في كلام الشارع أخص من الإيمان في اللغة. ومعلوم أن الخاص ينضم إليه قيود لا توجد في جميع العام , كالحيوان إذا أخذ بعض أنواعه وهو الإنسان كان فيه المعنى العام ومعنى اختص به وذلك المجموع ليس هو المعنى العام. فالتصديق الذي هو الإيمان ; أدنى أحواله أن يكون نوعا من التصديق العام فلا يكون مطابقا له في العموم والخصوص من غير تغيير اللسان ولا قلبه ; بل يكون الإيمان في كلام الشارع مؤلفا من العام والخاص كالإنسان الموصوف بأنه حيوان وأنه ناطق. (الوجه الحادي عشر): أن القرآن ليس فيه ذكر إيمان مطلق غير مفسر ; بل لفظ الإيمان فيه إما مقيد وإما مطلق مفسر. " فالمقيد " كقوله {يؤمنون بالغيب} وقوله: {فما آمن لموسى إلا ذرية من قومه} , و " المطلق المفسر " كقوله تعالى: {إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم} الآية. وقوله: {إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله ثم لم يرتابوا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله أولئك هم الصادقون} ونحو ذلك. وقوله: {فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما}. وأمثال هذه الآيات. وكل إيمان مطلق في القرآن فقد يبين فيه أنه لا يكون الرجل مؤمنا إلا بالعمل مع التصديق ; فقد بين في القرآن أن الإيمان لا بد فيه من عمل مع التصديق كما ذكر مثل ذلك في اسم الصلاة والزكاة والصيام والحج. فإن قيل: تلك الأسماء باقية ولكن ضم إلى المسمى أعمالا في الحكم لا في الاسم كما يقوله القاضي أبو يعلى وغيره. قيل: إن كان هذا صحيحا قيل مثله في الإيمان. وقد أورد هذا السؤال لبعضهم ثم لم يجب عنه بجواب صحيح بل زعم أن القرآن لم يذكر فيه ذلك. وليس كذلك بل القرآن

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير