تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

القرآن , وقوله: {فأوحى إليهم} هو الرمز ولو قدر أن الرمز استثناء متصل لكان قد دخل في الكلام المقيد بالاستثناء كما في قوله: {وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيا أو من وراء حجاب أو يرسل رسولا فيوحي بإذنه ما يشاء}. ولا يلزم من ذلك أن يدخل في لفظ الكلام المطلق ; فليس في لغة القوم أصلا ما يدل على أن ما في النفس يتناوله لفظ الكلام والقول المطلق ; فضلا عن التصديق والتكذيب فعلم أن من لم يصدق بلسانه مع القدرة لا يسمى في لغة القوم مؤمنا كما اتفق على ذلك سلف الأمة من الصحابة والتابعين لهم بإحسان. وقول عمر رضي الله عنه: زورت في نفسي مقالة أردت أن أقولها حجة عليهم. قال أبو عبيد: التزوير: إصلاح الكلام وتهيئته قال: وقال أبو زيد: المزور من الكلام والمزوق واحد وهو المصلح الحسن , وقال غيره: زورت في نفسي مقالة أي هيأتها لأقولها. فلفظها يدل على أنه قدر في نفسه ما يريد أن يقوله ولم يقله فعلم أنه لا يكون قولا إلا إذا قيل باللسان وقبل ذلك لم يكن قولا لكن كان مقدرا في النفس يراد أن يقال كما يقدر الإنسان في نفسه أنه يحج وأنه يصلي وأنه يسافر إلى غير ذلك فيكون لما يريده من القول والعمل صورة ذهنية مقدرة في النفس ولكن لا يسمى قولا وعملا إلا إذا وجد في الخارج كما أنه لا يكون حاجا ومصليا إلا إذا وجدت هذه الأفعال في الخارج ولهذا كان ما يهم به المرء من الأقوال المحرمة والأفعال المحرمة لا تكتب عليه حتى يقوله ويفعله وما هم به من القول الحسن والعمل الحسن إنما يكتب له به حسنة واحدة فإذا صار قولا وفعلا كتب له به عشر حسنات إلى سبعمائة وعوقب عليه - إذا قال أو فعل - كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: " {إن الله تجاوز لأمتي عما حدثت به أنفسها ما لم تتكلم به أو تعمل} ". وأما البيت الذي يحكى عن الأخطل أنه قال: إن الكلام لفي الفؤاد وإنما جعل اللسان على الفؤاد دليلا فمن الناس من أنكر أن يكون هذا من شعره. وقالوا: إنهم فتشوا دواوينه فلم يجدوه , وهذا يروى عن محمد بن الخشاب. وقال بعضهم: لفظه: إن البيان لفي الفؤاد. ولو احتج محتج في مسألة بحديث أخرجاه في " الصحيحين " عن النبي صلى الله عليه وسلم لقالوا: هذا خبر واحد ويكون مما اتفق العلماء على تصديقه وتلقيه بالقبول وهذا البيت لم يثبت نقله عن قائله بإسناد صحيح لا واحد ولا أكثر من واحد ولا تلقاه أهل العربية بالقبول فكيف يثبت به أدنى شيء من اللغة فضلا عن مسمى الكلام. ثم يقال: مسمى الكلام والقول ونحوهما ليس هو مما يحتاج فيه إلى قول شاعر فإن هذا مما تكلم به الأولون والآخرون من أهل اللغة وعرفوا معناه في لغتهم كما عرفوا مسمى الرأس واليد والرجل. وأيضا فالناطقون باللغة يحتج باستعمالهم للألفاظ في معانيها لا بما يذكرونه من الحدود فإن أهل اللغة الناطقين لا يقول أحد منهم: إن الرأس كذا واليد كذا والكلام كذا واللون كذا بل ينطقون بهذه الألفاظ دالة على معانيها فتعرف لغتهم من استعمالهم. فعلم أن الأخطل لم يرد بهذا أن يذكر مسمى " الكلام " ولا أحد من الشعراء يقصد ذلك البتة ; وإنما أراد: إن كان قال ذلك ما فسره به المفسرون للشعر أي أصل الكلام من الفؤاد وهو المعنى ; فإذا قال الإنسان بلسانه ما ليس في قلبه فلا تثق به ; وهذا كالأقوال التي ذكرها الله عن المنافقين ذكر أنهم يقولون بألسنتهم ما ليس في قلوبهم ; ولهذا قال: لا يعجبنك من أثير لفظه حتى يكون مع الكلام أصيلا إن الكلام لفي الفؤاد وإنما جعل اللسان على الفؤاد دليلا نهاه أن يعجب بقوله الظاهر حتى يعلم ما في قلبه من الأصل ; ولهذا قال: حتى يكون مع الكلام أصيلا. وقوله: " مع الكلام " دليل على أن اللفظ الظاهر قد سماه كلاما وإن لم يعلم قيام معناه بقلب صاحبه وهذا حجة عليهم ; فقد اشتمل شعره على هذا وهذا ; بل قوله: " مع الكلام " مطلق. وقوله: إن الكلام لفي الفؤاد. أراد به أصله ومعناه المقصود به , واللسان دليل على ذلك. و " بالجملة " فمن احتاج إلى أن يعرف مسمى " الكلام " في لغة العرب والفرس والروم والترك وسائر أجناس بني آدم بقول شاعر فإنه من أبعد الناس عن معرفة طرق العلم. ثم هو من المولدين ; وليس من الشعراء القدماء وهو نصراني كافر مثلث واسمه الأخطل والخطل فساد في الكلام وهو نصراني والنصارى قد أخطئوا في مسمى الكلام فجعلوا المسيح القائم بنفسه هو نفس كلمة الله. فتبين أنه إن كان " الإيمان " في اللغة هو التصديق والقرآن إنما أراد به مجرد التصديق الذي هو قول ولم يسم العمل تصديقا فليس الصواب إلا قول المرجئة: إنه اللفظ والمعنى. أو قول الكرامية: إنه قول باللسان فقط فإن تسمية قول اللسان قولا أشهر في اللغة من تسمية معنى في القلب قولا. كقوله تعالى: {يقولون بألسنتهم ما ليس في قلوبهم} وقوله: {ومن الناس من يقول آمنا بالله وباليوم الآخر وما هم بمؤمنين} وأمثال ذلك بخلاف ما في النفس فإنه إنما يسمى حديثا. والكرامية يقولون: المنافق مؤمن وهو مخلد في النار لأنه آمن ظاهرا لا باطنا وإنما يدخل الجنة من آمن ظاهرا وباطنا. قالوا: والدليل على شمول الإيمان له أنه يدخل في الأحكام الدينية المتعلقة باسم الإيمان كقوله تعالى: {فتحرير رقبة مؤمنة} ويخاطب في الظاهر بالجمعة والطهارة وغير ذلك مما خوطب به الذين آمنوا. وأما من صدق بقلبه ولم يتكلم بلسانه فإنه لا يتعلق به شيء من أحكام الإيمان لا في الدنيا ولا في الآخرة ولا يدخل في خطاب الله لعباده بقوله: {يا أيها الذين آمنوا} فعلم أن قول الكرامية في الإيمان وإن كان باطلا مبتدعا لم يسبقهم إليه أحد فقول الجهمية أبطل منه وأولئك أقرب إلى الاستدلال باللغة والقرآن والعقل من الجهمية.

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير