ومثال التاسع: (وهو إتيان سؤال وجواب عنه) قوله تعالى:"مَالِكِ يَومِ الدِّين".فإنه لم يبيّن هنا. ووقع عنه سؤال وجواب في موضع آخر وهو قوله تعالى:"وَمَا أدرَاكَ مَايَومُ الدِّينِ- ثُمَّ مَا أدرَاكَ مَايَومُ الدِّين .. "
وقوله:"الحَمدُ للهِ رَبِّ العَالَمِين". فإن"العالمين"وقع عنه سؤال وجواب في موضع آخر وهو قوله:"قَالَ فِرعَونُ وَمَارَبُّ العَالمِينَ- قَالَ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأرضِ وَمَابَينَهُمَا إِن كُنتُم مُوقِنِين". وسؤال فرعون وإن كان في الأصل سؤالاً عن الرب سبحانه فقد دخل فيه الجواب عن المراد بالعالمين.
ومثال العاشر: (وهو ذكر الحكمة) قوله تعالى:"وَهُوَ الذِي جَعَلَ النُّجُومَ لِتهتدُوا بهَا". فإن من حِكم خلق النجوم تزيين السّماء الدّنيا ورجم الشّياطين بها كما قال تعالى:"وَلَقَد زَيَّنَا السَّماءَ الدُّنيَا ِبمَصَابِيحَ وَجَعَلنَاهَا رُجُومَاً لِلشَّياطِين". وقال:"وَلَقَد زَيَّنا السَّماءَ الدُّنيَا بِزِينَةِ الكَواكِبِ وَحِفظاً مِن كُلِّ شَيطَانٍ مَارِد".
ومثال الحادي عشر: (وهو هل تم امتثال الأمر والنهي أو حصل الشّرط) قوله تعالى لنبيّه –صلى الله عليه وسلم-والمؤمنين:"قُولُوا آمنَّا بِاللهِ وَمَا أنزِلَ إلينَا .. ".فقد بين في آخر السورة أنهم امتثلوا فقال:"آمَن الرَّسُولُ ِبما أنزِلَ إِلَيهِ مِن رَبِّهِ وَالمُؤمِنُون .. ".
ومثله أيضًا لكنه في النهي قوله تعالى:"وَقُلنَا لَهُم لاتعدُوا ِفي السَّبت" فقد بين أنهم لم يمتثلوا في قوله:"وَلَقَد عَلِمتُم الذِينَ اعتدَوا مِنكُم ِفي السَّبت .. " وقوله:"وَاسأَلهُم عَنِ القَريةِ الّتِي كَانت حَاضِرَةَ البَحرِ إِذ يَعدُونَ ِفي السَّبت ". والمراد بعضهم.
ومثله أيضًا لكنه في حصول الشرط قوله تعالى:"وَلا يَزالُونَ يُقَاتِلُونكُم حَتَّى يَرُدُّوكُم عَن دِينكُم إِنِ استطَاعُوا" فقد بين في أول المائدة أنهم لم يستطيعوا بقوله:"اليَومَ يَئِسَ الذِين كَفَرُوا مِن دِينكُم قَلا تخشَوهُم وَاخشَون".
ومثال الثاني عشر: (وهو أن يذكر أن شيئاً سيقع ثم يبيّن وقوعه بالفعل) قوله تعالى:"سَيَقُولُ الذِينَ أَشرَكُوا لَو شَاءَ اللهُ مَا أشرَكنَا" وصرّح في النحل بأنهم قالوا ذلك بالفعل بقوله:"وَقَالَ الذِينَ أشرَكُوا لَو شَاءَ اللهُ مَاعَبدنَا مِن دُونِه مِن شَيء".
6 - أن يكون للفظٍ في الآية معنى غالب في القرآن فيجب تفسيره به وعدم إخراجه من معناه:
مثاله: قوله تعالى:"لأَغْلِبَنَّ أناَ وَرُسُلِي". فإن الغالب في القرآن استعمال (الغلبة) مرادا بها الغلبة بالسّيف والسّنان كما في قوله:"غُلِبَتِ الرُّوم". وقوله:"قُل لِلذِينَ كَفَرُوا سَتُغلَبُون .. ". وقوله:"وَإِن تكُن مِنكُم مائةٌ يَغلِبُوا ألفاً مِنَ الذِينَ كَفَرُوا". وعليه فيجب تفسير الغلبة في الآية الأولى بذلك، ومن قال: إنما المراد الغلبة بالحجّة والبرهان فهو صحيح لكن لا يجوز إخراج المعنى الغالب عن مراد الآية لأنه مما ورد به القرآن.
فإن كان المعنى المذكور متكرراً قصْده في القرآن إلا انه ليس أغلب من قصد سواه، فإنه دون الأول في الرتبة،والاستدلال به استئناس، كإطلاق (الظلم) على الشّرك في قوله:"وَلمَ يَلبِسُوا إِيمَانهَم بظُلم"وقوله:"إِنَّ الشِّركَ لظُلمٌ عَظِيم".وقوله:"وَالكَافِرُونَ هُمُ الظا لمُون".وورد مراداً به غير الشرك كقوله تعالى:"ثُمَّ أَورَثنا الكِتابَ الذِينَ اصطَفَينَا مِن عِبَادِنا فَمِنهُم ظَالِمٌ لِنَفسِه .. "
7 - أن يحيل في آية على شيء ذُكر في آية أخرى. وهذا من صريح تفسير القرآن بالقرآن.
مثاله: قوله تعالى:"وَ قَد نزَّلَ عَلَيكُم ِفي الكِتابِ أن إِذا سَمِعتُم آياتِ اللهِ يُكفَرُ بهَا وَيُستهزَأ بهَا فَلاَ تقعُدُوا مَعَهُم". والمراد بما نزّل هو قوله في سورة الأنعام:"وَإِذا رَأيتَ الذِينَ يخُوضُونَ ِفي آياتِنَا فَأعرِض عَنهُم حَتى يخُوضُوا ِفي حَدِيثٍ غَيرِه".
ومثله: قوله تعالى:"وَعَلَى الذِينَ هَادُوا حَرَّمنَا مَا قَصَصنَا عَلَيكَ مِن قَبل"والمراد به ما في سورة الأنعام:"وَعَلَى الذِينَ هَادُوا حَرَّمنَا كُلَّ ذِي ظُفْر".
¥