فمودة نشأت في قلوبنا بسبب وجود صفة القرب الزوجية عند تلك النصرانية
ومودة نشأت في قلوبنا بسبب صفة اقترابها من الهداية
وعدم مودة نشأت في قلوبنا بسبب صفة محادتها لله ورسوله
ولذا فالعقل والشرع يسوغان أن تود شخصا ما ((حالَ)) فعله لصفة ممدوحة ..
وفي نفس الوقت
فالعقل والشرع يسوغان أن لا تود ذلك الشخص بل تبغضه ((حالَ)) فعله لصفة مذمومة
فانظر كيف اجتمع في ((قلوبنا)) حب وبغض
ثم تأمل جيدا وأطل التأمل فهذا الحب وهذا البغض لم يكونا متجهين لصفة واحدة في الشخص المقابل
وإنما لصفتين مختلفتين بل مختلفتين تماما
وهذا موضع الإشكال
عندما ظن بعض الإخوة أن المودة مصروفة لصفة واحدة فقط فوقف كل فريق في ضفة ..
وهذا يذكرني أخي الكريم بالقاعدة التي أنت أطنبت الحديث عنها وهي قاعدة
((الحكم على شيء فرع من تصوره))
فكل فريق طبق تلك القاعدة في طرف واحد للقضية
بينما الصواب أن نطبق تلك القاعدة في كل الأطراف لتلك القضية
فكما نطالب أن ننتبه لتلك القاعدة في جانب:
--- ضرورة ((مودة)) الزوجة الكتابية ---
فعلينا أن نطالب بالانتباه لنفس تلك القاعدة في جانب:
--- ضرورة ((عدم مودة)) من حاد الله ورسوله ---
فإن لم نفعل سنجد أنفسنا قد ضربنا القرآن بعضه ببعض
معذرة على الاسترسال
ولنعد إلى أصل المسألة
سنجد الكثير من أهل العلم ومنهم الشيخ ابن عثيمين رحمه الله
_أثناء شرحه للعقيدة الواسطية في الشريط رقم 26 _
يخبر بأن علينا أن نحب المؤمن العاصي حسب ما معه من إيمان
ونبغضه حسب ما معه من معصية ..
فلاحظ إمكانية اجتماع ((الحب وعدم الحب)) شرعا وعقلا
وكذلك اجتماع ((المودة وعدم المودة))
فأنت مثلا تود فلانا لأنه كريم
ولكنك في نفس الوقت لا توده لأنه كذاب
حقا أنت ((اختلفتَ)) فأنت تحبه وفي نفس الوقت تبغضه
ولكن اختلافك هذا هو الجزاء العادل والمعاملة الصائبة منك
لأنه هو الذي ((اختلف)) أولا فجمع صفة حميدة وصفة سيئة
وقل مثل ذلك في كونك
توده لأنه برَّ بوالديه
ولكنك
لا توده لأنه شرب الخمر
وقس على ذلك ما شئت من أمثلة لا حصر لها
وستجزم بعدها إمكانية اجتماع المودة وعدم المودة
خاصة في مسألتنا .. فعلى سبيل المثال لو كانت لك:
1 - زوجة نصرانية
2 - تزعم أن لله ولد
3 - لها رغبة في الهداية
فعندئذ لقلبك معها ثلاث مودات:
1 - فأنت ((تودها)) مودة زوجة
وذلك لوجود العلاقة الزوجية المذكورة في قوله تعالى:
وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ ((مَوَدَّةً)) وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ
2 - وفي نفس الوقت فأنت ((تودها)) .. ((حالَ)) رغبتها في الهداية
كما قال الله سبحانه:
لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ ((مَوَدَّةً)) لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَاناً وَأَنَّهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ
3 - وفي نفس الوقت فأنت ((لا تودها)) .. ((حالَ)) محادتها لله ورسوله
وبهذا تنتظم الأدلة ونعمل بها جميعا
وكما أعطيتَ القسم الأول والثاني حقه من الشرح
فاسمح لي أن أعطي القسم الثالث_الأهم_ من الشرح
فأنت بأمور بألا تود تلك الزوجة النصرانية حالَ محادتها لله ورسوله وذلك حتى لا تُسلبَ الإيمان كما قال سبحانه:
لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ((يُوَادُّونَ)) مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ ..
وكما أنت مأمور بذلك الأمر المحكم _ وما أكثر المحكمات في هذا القسم الثالث_
فأنت أيضا مأمور بأمر محكمٍ أشد منه وهو:
أن تبدي لها العداوة والبغضاء لأن الله أوجب عليك ذلك تأسيا بـ:
إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ
((وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ))
أَبَداً
"حَتَّى" تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ ..
والإنسان المؤمن هو الوحيد الذي لن يتعجب من هذه الشدة
لأنه سيتذكر شدة جرم تلك النصرانية .. إنه جرم:
تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ
وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ
وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدّاً
أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَداً
فطالما هي مقيمة على ((صفة المحادة لله ورسوله))
فأنت مأمور أن تقيم على صفة ((عدم المودة))
فإن فعلتَ ذلك ستنجو من أن تكونَ فتنة لها:
رَبَّنَا لا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا وَاغْفِرْ لَنَا رَبَّنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــ
أسأل الله لي ولك ولبقية إخواني الهداية والتوفيق والعفو ومغفرة الذنوب ما تقدم منها وما تأخر
سبحانك اللهم وبحمدك أشهد ألا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك
¥