تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

نموذج (1) .. قاعدة كونية

قال تعالى:

(إنا كل شيء خلقناه بقدر .. ).

ان هذه الاية الكريمة تقرر قاعدة كونية عريضة، فكل موجود بقدر، أي محدود، اما على صعيد الزمن أو الطاقة أو الحجم أو العدد أو الكثافة .. وتختلف الحدود من موجود إلى آخر، وينفرد الله تعالى بصفة المطلق الذي لا يُحدد ولا يُعد .. سبحانه ..

هذه القاعدة أو النظرية الكونية اسسها القرآن الكريم في متن العقيدة ولم يطرحها مجردة، بل حولها إلى مفردات متناثرة هنا وهناك، بل وذكر لها احياناً شواهد من الواقع الحي نستطيع بسهولة ان ندرجها تحت ذلك الافق العريض.

والسؤال هنا:

ترى ما هي المصاديق هنا؟!

لنقرأ الايات التاليات:-

1 - (وانبتنا منها كل شيء موزون).

2 - ( ... ولكل امة اجل).

3 ـ ( ... انزل من السماء ماءً فسالت اودية بقدرها).

4 ـ ( .. فاذا جاء اجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون).

5 ـ ( .. وما اوتيتم من العلم الا قليلاً).

6 ـ ( .. كل من عليها فان).

وهكذا تترى الايات تلو الايات لتؤكد مضمون أو فحوى أو فكرة النظرية الكلية الشاملة، اي قاعدة (كل شيء خلقناه بقدر).

(إن من شيء الا عندنا خزائنه * وما ننزله الا بقدر معلوم).

وهذا (القدر) أو (الحد) معلوم، وهذه الخاصة من لوازم التقدير وملحقات المحدودية، واعتقد ان (معلوم) هنا اشارة إلى امكانية الاحاطة، وليس هنا مجال بيان هذه القضية التي يمكن ان تدرج في نطاق مسألة اخرى هي «حوليات التقدير».

تصل عملية التطبيق الفعلي للقاعدة الكونية القرآنية في معادلة متساوية الطرفين رغم تنامي مضمونيهما!!، فالوجود كله محدود، اي الوجود بحاله وذلك بغض النظر عن هذا الوجود أو ذاك، فيما خالق الكون ـ جل وعلا ـ وجود مطلق، صفاته عين ذاته ..

قال تعالى:

(كل شيء هالك الا وجهه).

انها معادلة، تبدأ من التقدير على صعيد كل موجود ثم الوجود بحد ذاته لتتقرر حقيقة اخرى على الطرف الثاني، ذلكم هو ربناه، لا يحده شيء:

(قل هو الله احد * الله الصمد * لم يلد * ولم يولد * ولم يكن له كفؤاً احد).

فهذه السورة بمضمونها الحقيقي غير بعيدة عن ارساء القضية الكبيرة التي تقول (كل شيء خلقناه بقدر).

هنا، ربما يتوهم البعض ان ذلك يتناقض مع قوله تعالى:

(يزيد في الخلق ما يشاء).

وقوله تعالى:

(والسماء بنيناها بأيد * وانا لموسعون).

وقوله تعالى:

(وان تعدوا نعمة الله لا تحصوها)!!

هذا وهم ناشيء من عدم فهم معنى (الزيادة)، فهي سواء كانت في هذا المجال أو ذاك خاضعة لمقياس حسابي فردي أو زوجي، اي هناك سقف يمكن ان نقف عنده لنصل إلى رقم محدد ومشخّص، ثم هناك فواعل اخرى تُمضي المحدودية رغم هذه الزيادة، القوة، العمر الزمني، مقدار العطاء، حقيقة العلاقة مع الاخر، فالنعم قد لا تحصى، ولكنها تُستهلك وتُستثمر، وتجري عليها التغيرات والانفعالات المستمرة الدائمة.

وبهذا نفهم إلى هناك تناغماً رائعاً بنى النظرية والتطبيق في القرآن الكريم على صعيد هذه القاعدة. والمطلوب ان نستحضر جزئياتها في القرآن ونضعها في اطارها النظري العام.

(5)

نموذج (2) .. قاعدة اجتماعية

قال تعالى:

(ان الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بانفسهم).

هذه الآية الكريمة هي الاخرى تشكل قاعدة عامة على صعيد المجتمع، مفادها ـ كما هو واضح ـ ان التغيير النفسي، أو ان المحتوى للذات هو الاساس في حركة الامة، أو ان التكوين الفكري والنفسي للانسان ـ ككل ـ هو الذي يموّن التاريخ بالحركة ونوع هذه الحركة، وان اي انقلاب اجتماعي أو تاريخي في حياة الامم انما يترتب على انقلاب فكري نفسي، داخلي.

هذه القاعدة القرآنية الكلية في حركة المجتمع والتاريخ لها تطبيقاتها في القرآن نفسه، ولها مفرداتها التي تندرج تحتها، وبهذا يكون الكتاب الكريم عبارة عن مدرسة عملية توجيهية ..

ترى ما هي هذه التطبيقات؟!

لنقرأ الايات التالية:

1 ـ ( .. لئن شكرتم لازيدنكم).

2 ـ ( .. قال موسى لقومه استعينوا بالله واصبروا ان الارض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين).

3 ـ (واورثنا القوم الذين كانوا يستضعفون مشارق الارض ومغاربها التي باركنا فيها وتمت كلمة ربك الحسنى على بني اسرائيل بما صبروا .. ).

4 ـ ( .. وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الارض .. ).

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير