تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ان هذه الآيات وغيرها انما هي تجليات وظهورات للقاعدة القرآنية الكلية السابقة، اي لقوله تعالى (ان الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم)، وتوجد عشرات الايات الشريفة التي هي مثابة مفردات حية داخل هذا الاطار الاجتماعي النظري العام، وكثيراً ما تشير الآيات إلى تسميات خاصة ومحدّدة من مفردات التعبير الداخلي الذي يؤول إلى تغيير الموضوع، وذلك مثل الشكر، الصبر، الايمان، .. فان كل مفردة من هذه المفردات من شأنها ان تنعكس على الكون باثارها الايجابية الفاعلة، ونحتاج إلى عملية ربط عضوي بين هذه المفردات وحركتها داخل النفس وبين اثارها الخارجية التي هي افاضات الهية بمثابة جزاء دنيوي طيب وجميل.

(6)

نموذج (3) .. قاعدة نبوية

قال تعالى:

(وما ارسلنا من رسول الا بلسان قومه ليبين لهم).

ان هذه الآية تطرح افقاً عقائدياً على صعيد النبوة، بل اكثر من افق، منها:

أ - ان اي نبي يُرسّل ـ كما هو رأي كثير من المفسدين ـ بلغة قومه، اي بلغة النمط الفكري الذي ينسجم مع درجة وعيهم العقلي والاستدلالي والبرهاني، لان اللغة في الاية حالة ذهنية وليست اصواتاً أو الفاظاً فحسب، انها مضون ومحتوى فكري ونفسي.

ب ـ ان مهمة النبوة البيان وتوجد عشرات الآيات التي تشكل (بُنيات) داخل نطاق كل من الحقيقتين القرآنيتين، ومن يتصفح القرآن الكريم يندهش لمدى الوفاء الفعلي للحقيقة الاولى، فنحن نجد نوح (ع) يحتج على قومه بأدلة المحور الحسّي القريب لمستوى الحالة الطفولية.

(يرسل السماء عليكم مدرارا)

(خلقكم اطوارا)

فيما ترتقي لغة البرهان لدى ابراهيم إلى مستوى العلاقة بين التغيير والحدوث

( .. كذلك نري ابراهيم ملكوت السموات والارض وليكون من الموقنين * فلما جن عليه الليل رأى كوكباً قال هذا ربي فلما افل قال لا احب الافلين * فلما رأى القمر بازغاً قال هذا ربي * فلما افل قال لئن لم يهدني ربي لاكونن من القوم الضالين * فلما رأى الشمس بازغة قال هذا ربي * هذا اكبر فلما افلت قال يا يوم اني بريء مما تشركون).

ولكن مع رسول الله محمد (ص) يبرز دليل القياس الكوني:

(قل من يحيي العظام وهي رميم * قل يحييها الذي انشأها اول مرة وهو بكل خلق عليم).

وليس من ريب ان هناك تطوراً نوعياً في عمق الاسلوب البرهاني تبعاً لتطور الزمن وتقلباته الحضارية ومستوى النضج العقلي والفكري لدى المجتمعات. ولذا كان لكل نبي دليله مع قومه بلحاظ درجة الوعي. وكل ذلك تطبيق للاية الشريفة:

(وما ارسلنا من رسول الا بلسان قومه).

واما في خصوص الوظيفة البيانية للانبياء فنستطيع ان نضع اصابعنا على عشرات الايات، بل هي من بديهيات القرآن المبثوقة في صفحاته الشريفة.

نموذج (4) .. قاعدة كونية اخرى

قال تعالى:

(ومن كل شيء خقلنا زوجين لعلكم تذكرون).

ان قاعدة الزوجية، قاعدة كونية تستغرق كل الوجود الكوني، اي بلا استثناء، وفي القرآن بعض تجليات لهذه القاعدة. علماً ان جوهر القاعدة على الصعيد العقلي هو التصنيف فالذكر صنف الانثى والعكس صحيح، كما ان الابيض صنف الاسود والعكس صحيح .. لنقرأ قوله تعالى ..

1 ـ (أو يزوجهم ذكراناً واناثاً).

2 ـ (قل احمل فيها من كل زوجين اثنين).

3 ـ (ومن كل الثمرات جعل فيها زوجين اثنين).

4 ـ (ثمانية ازواج) في مجال الانعام.

5 ـ (سبحان الذي خلق الازواج كلها مما تنبت الارض).

6 ـ (وانزل من السماء ماءً فاخرجنا به ازواجاً من نبات شتى).

فنحن نجد هناك مثال التطبيق الرائع بين النظرية ومصاديقها، مثلها مثل القواعد السابقة.

(8)

في الحقيقة ان اكثر النظريات أو القواعد التي يؤسسها القرآن الكريم لها في الوقت ذاته بعض تطبيقاته، ليس هذا وحسب، بل للقاعدة لوازمها، فالتقدير، اي ان لكل شيء (قدر) يستلزم التغير والحركة قارنة تستلزم امكان المعرفة والحساب والاحصاء.

قال تعالى:

(كل شيء احصيناه في امام مبين).

واعتقد ان دعوة القرآن إلى النظر في الكون هو نتيجة حتمية للتقدير، بل ان هذه المحدودية ـ كل شيء بقدر ـ تستدعي بداية ونهاية ..

قال تعالى:

(كل من عليها فان ويبقى وجه ربك ذو الجلال والاكرام).

وليس من شك ان العلاقة العضوية بين المحتوى الداخلي للامة والموضوع الخارجي يستدعي ان يكون لكل امة اجل.

قال تعالى:

(كل شيء هالك الا وجهه).

(ما تسبق من امة اجلها وما يستأخرون).

مع العلم ان الاجل هنا قطعة زمنية أو حالة حضارية. فالاجل هنا افراز طبيعي لهذه العلاقة الموضوعية المتفاعلة. ولا نريد هنا ان نفصل في هذه القضية، اي لوازم القاعدة القرآنية، انما نبغي ان نطرح بعض الامثلة.

(9)

نستفيد مجموعة حقائق اساسية من فكرة التفسير التطبيقي وذلك فيما يخص القرآن الكريم، ومن اهمها:

اولاً: وحدة القرآن الكريم وانسجامه مع ذاته:

(ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافاً كبيراً).

ثانياً: تكوين فهم متكامل لحقائق الحياة والتاريخ والمجتمع في القرآن الكريم.

ثالثاً: بلورة عقلية اسلامية استدلالية.

قد يتصور البعض ان هذا النوع من التفسير هو ذاته التفسير الموضوعي، والجواب «لا». ان التفسير الموضوعي يعتمد جمع الايات المنصبّة على موضوع واحد، فيما التفسير التطبيقي هو عمل اخر، يركز على الممارسة التطبيقية للقواعد القرآنية العامة في نواحي الوجود.

وفي الواقع إذا تمكنا من استجلاء هذه القواعد وادرجناها تحت التطبيقات انما سوف نقوم بعملية اكتشاف قرآني فريد ... انتهى المقال

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير