3 - الوقف الحسن: عرفه السيوطى بأنه "الذى يحسن الوقف عليه ولا يحسن الابتداء بما بعده" () لتعلقه به لفظاً ومعنى () وذلك كأن تقف على كلام مفيد فى ذاته بحيث إذا لم تذكر ما بعده لأخذ منه معنى يحسن السكوت أو الوقف عليه. وذلك كأن يأخذ الفعل فاعله، والمبتدأ خبره، والشرط جوابه. كل ذلك الوقف عليه حسن، وقد يرتقى فى الحسن إلى درجة الأحسنية بأن يضاف إلى ما ذكر وصف ونحوه.
ومثاله الوقف على ((الحمد لله …… .. )) () فإنه أفاد معنى بذاته، لذلك فإن الوقف عليه حسن لكن لا يحسن الابتداء بما بعده لأنه صفة له، فلا يحسن أن يبتدئ بـ ((رب العالمين)) لأنه مجرور حيث هو نعت لما قبله، فيترتب عليه الفصل بين النعت ومنعوته، ويترتب عليه أيضاً البدء بمجرور والأصل أن يبتدأ بمرفوع. إذ المبتدأ مرفوع أما المجرور فلابد من ذكر عامله معه. والحاصل أنه إن حسن الوقف على (الحمد لله) فإن الابتداء بـ (رب العالمين) لا يحسن لكونه صفة لما قبله، ويستثنى من هذه القاعدة كما يقول الصفاقسى ما لو كان "الموقوف عليه رأس آية، فلا يعيد ما وقف عليه لأنهن فى أنفسهن مقاطع؛ ولأن النبى - صلى الله عليه وسلم - كان إذا قرأ قطّع، ويقف عليها ولم يفرق بين ما هو متعلق بما قبله وغيره، بل جعل جماعة الوقف على رءوس الآى سنة، واستدلوا على ذلك بالحديث الذى رواه الترمذى بسند صحيح "أن النبى - صلى الله عليه وسلم - كان إذا قرأ قطّع قراءته آية آية يقول: بسم الله الرحمن الرحيم ثم يقف ثم يقول: الحمد لله رب العالمين ثم يقف ثم يقول: الرحمن الرحيم ثم يقف ثم يقول: مالك يوم الدين ……." ()
ثم يقول الصفاقسى أيضاً:
وإنما ذكروا هذا الحسن ليتسع الأمر على القارئ فربما ضاقت نفسه قبل الوصول إلى التام والكافى لا سيما ما كان من ضيق الحنجرة، فللإنسان طاقة محدودة من الكلام الذى يجمعه فى نفس واحد. ()
وبعد فهذه هى الأقسام الثلاثة التى يجوز فيها الوقف مع التفاوت بينها فى التمكن من هذا الجواز. فيندب فى حق القارئ الوقوف على الأتم وإلا فالتام، فإن لم يستطع فعلى الأكفى وإلا فعلى الكافى، فإن لم يستطع فعلى الجائز - الحسن - "ويعيد ما وقف عليه إلا أن يكون رأس آية، ولا يعدل عن هذه إلى المواضع التى يكره الوقوف عليها إلا من ضرورة كانقطاع نفس ويرجع إلى ما قبله ليصله بما بعده فإن لم يفعل عوتب ولا إثم عليه" ()
4 - الوقف القبيح:
هذا هو القسم الرابع من أقسام الوقف الاختيارى وقد عرفه السيوطى بأنه "الذى لا يفهم المراد منه" () وذلك كأن يقرأ سورة الفاتحة فيقول "الحمد" ويقف فإنه لم يفد معنى، أو أن يفصل بين المضاف والمضاف إليه كأن يقف على (رب) دون (العالمين) أو على (مالك) دون (يوم الدين) فذلك قبيح أيضاً؛ لأن المضاف والمضاف إليه كالشئ الواحد.
وبالجملة فإن كل ما لا يفيد معنى ولا يفهم المراد منه فإن الوقف عليه قبيح. وأقبح منه الوقف الذى يفسد المعنى، ويثبت خلاف المقصود. وذلك كمن يقف على (ولأبويه) من قوله سبحانه: ((وإن كانت واحدة فلها النصف ولأبويه)) () فإنه يوهم أن للأبوين النصف كذلك، وهذا خلاف المقصود، حيث إن فى بقية الآية تفصيلاً لحق الأبوين ((ولأبويه لكل واحد منهما السدس ………)) الخ. فالوقف على (فلها النصف) وقف أكفى، والوقف على (ولأبويه) وقف أقبح.
ومثاله أيضاً الوقف على (والموتى) من قوله سبحانه: ((إنما يستجيب الذين يسمعون والموتى)) () فهو يوهم أن الموتى يستجيبون كذلك. والمقطوع به أنه ليس هناك تكليف بعد الموت حتى يوصف الموتى بالاستجابة وعدمها. أو يوهم أن الموتى يسمعون لو جعلنا العطف على فاعل (يسمعون) وهو واو الجماعة.
قال الصفاقسى: وليس كذلك، بل (الموتى) يستأنف، سواء جعلته مفعولاً لفعل محذوف يفسره الفعل المذكور بعده أى ويبعث الله الموتى، أو جعلته مبتدأ وما بعده خبره، فالوقف على (يسمعون) هو أكفى وقيل: تام. ()
ومنه أيضاً أن يقف على قوله تعالى: (قالوا) من قوله سبحانه ((لقد كفر الذين قالوا إن الله هو المسيح ابن مريم)) () أو قوله سبحانه ((لقد كفر الذين قالوا إن الله ثالث ثلاثة)) () لأن الابتداء بما بعد قالوا فى الآيتين يؤدى إلى إثبات ما هو كفر، لذلك قال السيوطى: من تعمده وقصد معناه فقد كفر. ()
¥