ومنه أن يقف على ((فويل للمصلين)) () مع أنه رأس آية، ومنه أيضاً الوقف على المنفى دون المثبت فى نحو قوله سبحانه: ((فاعلم أنه لا إله إلا الله)) () إذ الوقف على (لا إله) نفى للألوهية وهو كفر لو اعتقد القارئ ذلك أو تعمده. أو قوله سبحانه ((وما أرسلناك إلا مبشراً ونذيراً)) () فالوقف على (وما أرسلناك) نفى لرسالته - صلى الله عليه وسلم -، فلا يجوز تعمد ذلك ولا اعتقاده.
وهنا أنبه على أن كل ذلك قبيح أو أقبح فى حق من اختار الوقف، ولا يدخل فى ذلك من اضطر إلى الوقف بسبب انقطاع النفس أو نسيان ونحوه، فإن على القارئ حينئذٍ أن يرجع إلى موضع يجوز الابتداء به وصولاً إلى موضع يجوز الوقف عليه، وبذلك يكون الكلام قد انتهى عن الوقف واقسامه.
الابتداء ومراتبه
مضى تعريف الابتداء وأنه: الشروع فى القراءة بعد قطع أو وقف. وإذا كان الذكر قد سبق بأن الوقف لا يكون إلا على ما يتم به المعنى ويوفى بالمقصود، فإن الابتداء كذلك أيضاً لا يجوز أن يبتدأ إلا بما هو مستقل المعنى، بل إن هذا الشأن فى الابتداء آكد واشد إلزاماً؛ لأن الابتداء يكون باختيار القارئ لا تلجئه إليه ضرورة كما هو الحال فى الوقف أحياناً.
وتتفاوت مراتب الابتداء تماماً كتفاوت مراتب الوقف من حيث التمام والكفاية والحسن والقبح. والقبيح منه يتفاوت فى القبح ما بين قبيح وأقبح وذلك كمن يقف على قوله تعالى: ((لقد كفر الذين قالوا)) ثم يستأنف ((إن الله ثالث ثلاثة)) أو ((إن الله هو المسيح ابن مريم)) وقد مضت الإشارة إلى ذلك قريباً، ويلحق بذلك أيضاً من وقف على قوله تعالى: ((لقد سمع الله قول الذين قالوا)) ثم يستأنف ((إن الله فقير ونحن أغنياء)) () أو كمن يقف مضطراً على قوله تعالى: ((وما لى)) ثم يستأنف ((لا أعبد الذى فطرنى)) () ونحو ذلك مما أفاض فى التمثيل له العلماء كالسيوطى والصفاقسى.
وتفاوت مراتب الوقف هذه إنما مرجعه إلى المعنى، فما يكون مؤدياً لمعنى جديد مستأنف هو الذى يكون الابتداء به فى أرقى درجاته وهلم جرا.
قال السيوطى: لا يجوز - الابتداء- إلا بمستقل المعنى موف بالمقصود، وهو فى أقسامه كأقسام الوقف الأربعة ويتفاوت تماماً وكفاية وحسناً وقبحاً، بحسب التمام وعدمه وفساد المعنى وإحالته.
ثم ساق بعض الأمثلة للقبيح والأقبح فارجع إليه. () حيث إن فيما ذكرناه غنية وكفاية.
والسلف الصالح - رضى الله عنهم - كانوا يراعون مواضع الوقف والابتداء تمام المراعاة خشية أن يقف الواحد منهم على مالا يجوز أو أن يبتدئ بما لا ينبغى بل إن بعضهم كان "إذا قرأ ما أخبر الله به من مقالات الكفار يخفض صوته بذلك حياءً من الله أن يتفوه بذلك بين يديه" () وليس معنى ذلك أن من يجهر بمثل ذلك يكون مخطئاً أو لم يراع قواعد الأدب مع الله لأن السر والجهر بالنسبة إلى الله تعالى سواء. قال تعالى: ((وأسروا قولكم أو اجهروا به إنه عليم بذات الصدور)) ()
ومن العلماء الذين نبهوا على وجوب مراعاة ذلك الإمام مكى بن أبى طالب فى كتابه الكشف عن وجوه القراءات السبع، وضرب على ذلك بعض الأمثلة على ما لا يجوز الابتداء به ومن ذلك الابتداء فى القراءة بقوله تعالى ((الله لا إله إلا هو)) () بعد الاستعاذة مباشرة فإنه غير سائغ؛ لأن القارئ يصل "الرجيم" بلفظ الجلالة وذلك قبيح فى اللفظ يجب الكف والامتناع عنه إجلالاً لله وتعظيماً له.
ومنه أيضاً الابتداء بقوله تعالى: ((إليه يرد علم الساعة)) () بعد الاستعاذة مباشرة لأن القارئ يقول: "أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. إليه يرد علم الساعة" فيصل ذلك بالشيطان وهو قبيح جداً. ()
ما يشترط فيمن يقوم بتحديد مواضع الوقف والابتداء
ليس لكل واحد من الناس أن يحدد مواضع الوقف والابتداء بل ينبغى توفر شروط فيمن يقوم بشأن تحديد مواضع الوقف والابتداء منها:
1 - العلم بالنحو: حتى لا يفصل -بالوقف - بين المبتدأ وخبره أو بين المتضايفين - أى المضاف والمضاف إليه - أو بين المستثنى والمستثنى منه اللهم إلا إذا كان هذا الاستثناء منقطعاً، فإن العلماء قد اختلفوا فيه على ثلاثة أقوال:
أ- قال بعضهم: يجوز الفصل مطلقاً، لأنه فى معنى مبتدأ حذف خبره للدلالة عليه.
¥